14 آذار … أين “الأوفياء” لتلك الثورة؟

14 آذار … أين “الأوفياء” لتلك الثورة؟

الكاتب: نبيل بومنصف | المصدر: النهار
14 آذار 2025
لا تحتاج أعظم ثورة سيادية استقلالية عرفها لبنان في تاريخه الحديث في ذكرى مرور عقدين على “اشتعالها” في 14 آذار / مارس 2005 إلى بكائيات على أطلال ما صمد وما لم يصمد منها؛ فتلك الثورة التي جمعت أكبر حشد مليوني لبناني عابر للطوائف والمذاهب والمناطق كافة شهده لبنان في تاريخ نشأته، انتزعت منذ ذاك اليوم الذي لا تراه في لبنان إلا نادراً، صفة تاريخيّة لجهة الثورة السيادية بامتياز بمعايير لا بد من إعادة الاعتبار إليها في الذكرى العشرين لإحيائها.
بعيداً من أي حساب حيال المداهنات السياسية والإعلامية الداخلية في لبنان، كانت “ثورة الأرز”، وهي أفضل وأكثر التسميات تجسيداً لها عبر الإعلام الغربي، التجسيد الثائر لانفجار نبض لبناني معتمل ومحتقن طويلاً عبر الخضوع لأعتى وصاية قمعية احتلالية جسدها نظام الأسدين الأب والابن على لبنان بخنوع وتواطؤ خارجي وداخلي، إلى أن انزلق ذاك النظام في سقطته القاتلة باغتيال رفيق الحريري وإشهار حرب الاغتيالات فكان الانفجار
لكن الأهم الذي اختزنته الثورة انكشف في أن الناس كانوا قاطرة القوى السياسية والحزبية التي شكلت تحالف قوى 14 آذار ، لا العكس كما هو رائج بدليل أن تحلل ذاك التحالف السياسي لاحقاً، وعجزه عن المضي قدماً في تطوير الثورة الاستقلالية والسيادية نحو دولة كاملة المواصفات القوية، ولو تحججوا بـ”حزب الله” وسطوته، لم يحجب حقيقة أن النبض السيادي الأهلي والشعبي في لبنان هو الحقيقة التاريخية التي لولاها لكان شعب لبنان اليوم برمته شتات دياسبورا مبعثرة في كل أنحاء العالم.
تلك الثورة السيادية تمكنت من صهر العقائد السياسية كما من إحداث تحالفات طائفية لم يشهدها لبنان قط من قبل وحتى في استقلاله الأول عن الانتداب الفرنسي عام 1943. ولكن من الحقائق الموجعة أيضاً أن الشيعة بثقلهم الكبير غابوا عن الاحتشاد المناهض للوصاية، لأي وصاية، فيما هم يخضعون لنفوذين سوري وإيراني حتى كان الانفجار الدراماتيكي الأخير في الحرب الإسرائيلية الأشد دموية على “حزب الله” ولبنان.
لا بد من الاعتراف بأن 14 آذار المليونية فجرها مباشرة 8 آذار الذي كان يوم “شكراً سوريا” بحشد ضخم في وسط بيروت. ذروة الانقسام اللبناني الذي أريد له أن يشعل الفتنة الدموية القاتلة تقليدياً بين الطوائف والمذاهب اللبنانية، تحول في 14 آذار إلى إحدى أعظم المآثر التاريخية في مشهدية مليونية حملت إلى العالم المنذهل صورة ثورة سيادية سلمية مذهلة، وأسقطت مفهوماً كارثياً عن كون الشعب اللبناني مجموعة “قبائل طائفية” .
ما صنعته الثورة آنذاك وما استتبعها فوراً من فرض الانسحاب الذليل على نظام بشار الأسد من لبنان، لا يصح التباهي به بأنه وحده تسبب بسقوط هذا النظام بعد عشرين عاماً، أي قبل أشهر من الآن، بل الحقيقة المفجعة هي أن تمر عشرون عاماً أخرى على ذاك النظام لإسقاطه. ولكن ما يتعين على اللبنانيين في الذكرى أن يتحلوا بفضيلته هو أن يدركوا أن نبض 14 آذار اليوم ليس له تحالف قوى يحميه ولا دولة خالصة وناجزة بعد تقيم له دولته على رغم التطورات الإيجابية الأخيرة التي أطلت على لبنان. هو نبض، لا حياة للبنان إن فارق اللبنانيين في أي لحظة، قبل ارتفاع مداميك دولة صلبة تترجمها قوى جديدة محدثة متغيرة على قواعد ثورة ثقافية مدنية وعلمانية وديموقراطية، وإلا عبثاً الرهان على أمجاد الذكرى وحدها