حان الوقت أن تتصالح الأجهزة مع الناس

حان الوقت أن تتصالح الأجهزة مع الناس

الكاتب: جان الفغالي | المصدر: نداء الوطن
14 آذار 2025

هذا المقال لا يُكتَب إلّا اليوم، لأن مناسبته هي تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية، و “من أول الطريق”، يجب أن يُقال هذا الكلام، علماً أن هناك مَن يفضِّل تأجيله إلى ما بعد “التهاني”، وعلماً أن بعض مَن عيِّنوا حسناً فعلوا بالإعلان عن الاعتذار عن عدم تقبّل التهاني.

بعيداً من الطقوس التي ترافق، عادةً، مثل هذه التعيينات، من المفرقعات والأسهم النارية، إلى تعليق الصور واليافطات، إلى مواعيد تقبل التهاني، لا بدّ من مخاطبة المعيّنين، الذين أصبحوا “قادة”، بشفافية، والقول لهم: الناس يريدون أن يخافوا عليكم لا أن يخافوا منكم، فللناس تاريخ مع مؤسّساتكم، منه ما هو “ناصع البياض”، ومنه ما هو “ناصع السواد”.

من أي حقبة نبدأ، نجد محطات حافلة تراوِح بين طغيان الأمن على السياسة، وبين سوء الفهم لتحديد المسافة بين الأمن والسياسة، بمعنى: أين تنتهي السياسة؟ ليبدأ الأمن؟ والعكس صحيح.

من المحطات السّوداء، ما كان يُعرَف بحقبة “النظام الأمني اللبناني السوري”، هذه الحقبة امتدّت من تسعينات القرن الماضي، حتى ربيع العام 2005، خمسة عشر عاماً، كان الأمن فيها يأتي أولاً، والسياسة والقضاء يأتيان ثانياً، ولكن بابتعاد أشواط عن “أولاً”. لم تكن “الهيبة” لمقرات الرئاسات والحكومات والوزارات، بل للبوريفاج وعنجر ومراكز المخابرات التي كانت الإحالات إلى بعضها تأتي من البوريفاج وعنجر، وكما يحفظ اللبنانيون اعتقالات يحفظون أيضاً اغتيالات وتصفيات طاولت كثيرين.

إن تنقية الذاكرة لا تكون من خلال محوِها، بل من خلال استعادة كل محطة لأخذ العِبر لا لنكء الجروح.

صحيح أن “الحكم استمرارية”، كذلك “الأجهزة استمرارية”، ولكن كيف؟ ووفق أي مفهوم؟ وأي آلية؟

الأسماء المعيَّنة واعدة، سواء في قيادة الجيش أم في الأمن العام أم في قوى الأمن الداخلي أم في أمن الدولة، ولأنها كذلك، فلا بدّ من الرهان على أن يكون منسوب الاطمئنان أعلى من منسوب التوجّس، فتكون صفحة جديدة بين الناس والأجهزة، لا تأخذ من الصفحات السابقة سوادَها، بل تبدأ “على بياض”.