يوم حداد على سردية “الحزب”

يوم حداد على سردية “الحزب”

الكاتب: اسعد بشارة | المصدر: نداء الوطن
14 آذار 2025

لم يكن يوم إعلان إنجاز الدولة اللبنانية عبر المفاوضات مجرد لحظة دبلوماسية عابرة، بل كان صفعة مدوية أصابت صلب السردية التي بناها “حزب الله” لعقود، مستنداً إلى معادلة السلاح كشرط وجودي للدفاع عن لبنان وحقوقه. فبينما كانت الدولة الفتية بالكاد تستعيد أنفاسها وسط أزمات اقتصادية وسياسية خانقة، نجحت عبر القنوات الدبلوماسية في تحقيق ما لم تستطع “المقاومة” تحقيقه إلا بالكلفة الباهظة من الدماء والدمار: استرداد الأسرى من دون أن يُراق دم أو يُهدم منزل.

صمتُ “الحزب” أمام هذا الإنجاز لم يكن سوى تعبير عن ذهوله. فلطالما وقف في وجه الدولة متسائلًا: “فرجينا شطارتك!”، وعندما فعلت الدولة ذلك، لم يكن لديه ما يقوله. إنه مشهد لم يكن في حسبانه، مشهد يبدد أسطورة أن لا حماية للبنان ولا استعادة للحقوق إلا عبر بندقية “الحزب”. اليوم، الدولة القوية المهابة عربياً ودولياً تفرض بدء مفاوضات الترسيم، بلا شروط ولا أثمان، وفق ما تقتضيه مصالح لبنان لا مصالح أي محور خارجي.

الالتزام بوقف إطلاق النار، والقرارات الدولية، واتفاق الهدنة، لم يكن تنازلاً بل مكسباً. فهذه الشروط كانت تُعتبر، وفق منطق “حزب الله”، استسلاماً، بينما أثبت الواقع أنها المسار الطبيعي لأي دولة سيدة وقادرة.

لم يسقط الحزب عسكرياً، لكنه خسر في ساحة السردية التي طالما استخدمها لتبرير احتكاره قرار السلم والحرب. الدولة التي كان يسخر منها ويراها عاجزة، أثبتت أنها قادرة، وأنها عندما تتصرف وفق منطق الدولة، فإنها تحقق ما تعجز عنه الميليشيات.

اليوم، يرتدي “حزب الله” ثوب الحداد، ليس على الأسرى الذين عادوا سالمين، بل على سقوط الرواية التي بناها لسنوات. فـ”ما بيصح إلا الصحيح”، والصحيح أن دولة قادرة هي وحدها التي تحمي شعبها، لا دويلة داخل الدولة.