
التّمايز الأميركيّ – الفرنسيّ من لبنان… وتقاطعه
نقطتان بارزتان وردتا على لسان مورغان أورتاغوس في مقابلتها التلفزيونية على “الجديد”، توقّفت عندهما أوساط دبلوماسية أوروبية، وهما:
– تجنّب الموفدة الأميركية الغوص في تفاصيل مصير سلاح “الحزب” شمال الليطاني، محيلة الأمر إلى العملية الدبلوماسية لمعالجته، وتحديداً إلى لجنة الإشراف على اتّفاق وقف إطلاق النار.
– حرصها على ذكر كلّ المكوّنات اللبنانية، من مسيحيّين وسنّة وشيعة في الكلام عن تمثيل اللبنانيين في الدولة.
تقول تلك المصادر إنّ اهتمام أورتاغوس بالتعابير التي استخدمتها في إطلالتها الإعلامية التي أعلنت فيها إطلاق عدد من الأسرى اللبنانيين وقيام مجموعات عمل دبلوماسية بالنظر في القضايا العالقة، ينمّ عن مرونة طرأت، على ما يبدو، على المقاربة الأميركية للملفّ اللبناني، ناجمة عن تأثّرها بالمقاربة الأوروبية، وتحديداً الفرنسية.
تحتلّ الولايات المتّحدة الأميركية عمليّاً مسرح الجهود التي تُخاض في سبيل تكريس الاستقرار في الجنوب اللبناني وتنفيذ القرار 1701، نظراً لمساحة نفوذها التي تبقي المبادرة في يدها، وهو ما يتيح لها تحديد لحظة انخراطها الفعليّة والحاسمة، لتكون صاحبة اليد الطولى في تحقيق الإنجاز. ولكنّ خلف الكواليس دولاً لعبت أدواراً مساعدة ومساندة لواشنطن، وتحديداً باريس التي كانت لها صولات وجولات من المفاوضات والمشاورات التمهيدية، حتّى إنّ مسوّدة اتّفاق وقف إطلاق النار كُتبت بحبر فرنسي، كما فكرة تشكيل لجنة الإشراف، التي وُلدت من عند الفرنسيين.
كذلك الأمر في ما خصّ إعادة الإعمار. ففي هذا الإطار يعتقد الفرنسيون أنّ هناك حاجة ماسّة إلى ضخّ المساعدات أو القروض في الاقتصاد اللبناني من بوّابة الدولة بالتحديد، بهدف تعزيزها وتقوية موقعها. وهذا ما يُعمل عليه من خلال المؤتمر الذي تستضيفه باريس مطلع شهر أيّار المقبل، في محاولة لفتح كوّة في جدار ورشة إعادة الإعمار المعلّقة. وفي هذا الأمر أيضاً تتمايز باريس عن واشنطن في مقاربتها، لتكون النظرة الفرنسية أكثر هدوءاً وحرصاً على التركيبة اللبنانية.
البصمات الفرنسيّة
تضيف المصادر أنّ الليونة المستجدّة على مفردات أورتاغوس هي أيضاً ذات بصمات فرنسية. ذلك لأنّ باريس، خلافاً للأميركيين، تميل إلى التعاطي بكثير من الاستيعاب مع الملفّ اللبناني وبشكل يحترم خصوصيّة تركيبته وتوازناته الداخلية، اقتناعاً منها أنّ تطبيق القرار 1701 على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد الدولة لن يتمّا بين ليلة وضحاها، وإنّما يفترض أن يحصلا على مراحل.
بالنسبة للفرنسيين، من الضروري عدم عزل أيّ مكوّن، والمقصود هنا الطائفة الشيعية، أو محاصرته أو استبعاده، خشية على الاستقرار السياسي. ويبدو أنّ الأميركيين بدأوا يقتنعون بهذه المعادلة، ولو أنّهم كانوا خلال المرحلة الأولى من بدء تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار أكثر راديكالية وحدّة، فصاروا أكثر تفهّماً واحتراماً للتوازنات الداخلية، كما ترى المصادر الدبلوماسية.
هذا مع العلم أنّ حرص أورتاغوس على تجيير إنجاز إطلاق الأسرى إلى رئيس الجمهورية جوزف عون، يقع على خطّ التقاطع الفرنسي – الأميركي عند الفكرة التي تقول بضرورة دعم العهد الجديد ومساندته وتعزيز مكانة الدولة في حماية السيادة.
تقول المصادر إنّ تركيز أورتاغوس كان على المرحلة الأولى من تطبيق الاتّفاق المرتبطة بجنوب الليطاني، وذلك في كلامها عن تدمير ترسانة “الحزب”، بالتوازي مع إطلاق مجموعات العمل الدبلوماسية للعمل على معالجة النقاط العالقة بين لبنان وإسرائيل، أي معالجة الاختراقات للاتّفاق، تحرير بقيّة الأسرى وتثبيت الحدود البرّية.
هل هذا يعني إنهاءً لمهمّة لجنة الإشراف؟
في الواقع، ترى مصادر دبلوماسية فرنسية أنّ إطلاق عمل هذه المجموعات يفتح الباب أمام مشهديّة شبيهة بمشهديّة المفاوضات في ترسيم الحدود البحرية التي كانت تحصل عبر خطّين متوازيَين: الأوّل خطّ تقنيّ تقوم به لجنتان عسكريّتان، لبنانية وإسرائيلية برعاية الأمم المتحدة، وتحديداً اليونيفيل التي استضافت توقيع الاتفاقية في الناقورة. والثاني خطّ سياسي يقوده آموس هوكستين ممثّلاً الولايات المتّحدة الأميركية في التفاوض غير المباشر بين الجانبين السياسيَّين اللبناني والإسرائيلي.
بهذا المعنى، ستخوض مجموعات العمل مفاوضات تقنيّة، على أن تكون هذه الجولة بوساطة لجنة الإشراف، ويطلق الفرنسيون والأميركيون على هذه المفاوضات تعبير mechanism. فيما التفاوض السياسي سيترك لمورغان أورتاغوس التي ستتولّى المهمّة بين لبنان وإسرائيل. هذا علماً أنّ المصادر الفرنسية تؤكّد أنّ اللجنة نجحت في عملها على الأرض من خلال مراجعة الاعتراضات التي وصلتها (بين 200 و250 اعتراضاً)، بالتنسيق مع الجيش اللبناني الذي تمكّن من توسيع خارطة انتشاره جنوب الليطاني.
ماذا عن اليونيفيل؟
تقول المصادر الدبلوماسية إنّ هناك خشية حقيقية على قوّات اليونيفيل، ليس بسبب مزاحمة لجنة الإشراف التي تتولّى جزءاً من المهامّ التي كانت موكلة إلى القوّات الدولية، لكن بسبب الهجمة العدائية التي تقودها إسرائيل على القوّة الدولية. إذ تذكر المصادر أنّ دوائر أوروبية معنيّة بهذه القوّات تبدي مخاوف جدّية من ضغوط قاسية قد تمارسها إسرائيل قبيل بلوغ موعد التمديد السنوي لهذه القوّات، وتحديداً شهر آب المقبل، لعرقلة التمديد من خلال طرح الثقة بمهامّ اليونيفيل أو الضغط لتعديل هذه المهامّ بحجّة أنّها لا تؤدّي وظيفتها بشكل سليم.