التّعيينات: الحكومة “تَغطِس” في آليّة قيد الاختبار

التّعيينات: الحكومة “تَغطِس” في آليّة قيد الاختبار

الكاتب: ملاك عقيل | المصدر: اساس ميديا
12 آذار 2025

سلكت التعيينات الأمنية والعسكرية طريقها نحو جلسة الحَسم في مجلس الوزراء يوم غد الخميس. وقد أسهمت زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى قصر بعبدا أمس في بلورة الصيغة النهائية للتعيينات، وإزالة آخر الألغام من أمامها، لتمهّد لحركة تشكيلات كبيرة جدّاً داخل الأسلاك العسكرية ستكون الأوسع منذ عقود.  وفق معلومات “أساس” استقرّت التعيينات الأمنية على ما يلي: العميد رودولف هيكل قائداً للجيش، العميد حسن شقير- مدير عام الأمن العام، العميد أدغار لاوندس-مدير عام أمن الدولة، ومرشد سليمان نائب مدير عام أمن الدولة.  

في المقابل، تَنتظر الحكومة استحقاقات أكثر تعقيداً في شأن التعيينات الإدارية في ظلّ إصرار الرئيسين جوزف عون ونوّاف سلام على اعتماد آليّة تعيينات “شفّافة”، لم ينجح أيّ عهد سابق في اعتمادها، أو لم يُرد ذلك، باستثناء إقرار “آليّة محمد فنيش” في حكومة سعد الحريري عام 2010، التي تجاوزتها الحكومات المتعاقبة، ثمّ المحاولة اليتيمة من الوزير السابق ملحم رياشي لإحيائها عام 2017، من أجل تعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة تلفزيون لبنان، لكنّها انتهت بتأجيج الحرب السياسية بين ميشال عون وسمير جعجع.

تخوض سلطة العهد الجديد “معركة” التعيينات على مستويَين:

– سياسي بامتياز، مغلّف بشروط الكفاءة والجدارة. وقد عَكَس شدّ الحبال بين الرئيسين عون ونبيه برّي، حول تعيين مدير عامّ الأمن العامّ، وبعض المواقع الشيعية الأساسية في التركيبة العسكرية، جزءاً من هذا الصراع السياسي. أكثر من ذلك، رُصِد استياءٌ كبير في عين التينة من محاولة رئيس الجمهورية، مع فريق الضبّاط السابقين المحيطين به من موقعهم الاستشاري، وضع اليد على الجزء الأكبر من التعيينات في ظلّ “غياب” نوّاف سلام على مستوى تركيب “جهاز أمن” العهد، وصولاً إلى حَسم خارطة التشكيلات العسكرية في المواقع الأساسية في الأجهزة كافّة في مرحلة لاحقة. لكنّ مطّلعين على موقف رئيس الجمهورية يجزمون بأنّ النقاش يحصل مع رئيس الحكومة والرئيس برّي، ومع المعنيّين، ولا معايير سوى الكفاءة والنزاهة، ولا تفرُّد بالقرار، والكلمة الأخيرة لمجلس الوزراء.

– مستوى ثانٍ مرتبط بآليّة تعيينات ستقرّها الحكومة قريباً، ويفترض أن يتمّ اختيار عدد من موظّفي الفئة الأولى وباقي الفئات على أساسها. ليس من ضمنها موقع حاكم مصرف لبنان الذي سيحكمه “المنخل” السياسي في ظلّ تعدّد الأسماء، والموافقة الأميركية الحتمية. ولم يُعرف بعد هل ستكون هناك آليّة خاصّة لاختيار أعضاء الهيئات الناظمة في قطاع النفط والكهرباء والطيران المدني، فيما يفترض تعيين مجلس إدارة للهيئة الناظمة للاتّصالات ظلّ شاغراً منذ عام 2012. مع العلم أنّ مصادر مطّلعة تجزم بأنّ هذه الفئة من التعيينات ستأخذ وقتاً طويلاً، وقد لا تكون ميسّرة كما التعيينات الأمنيّة.

لا إقرار للآليّة غداً

وفق معلومات “أساس”، لم يتمّ الاتّفاق حتى الآن على آليّة التعيينات الإدارية، ولم يلحظها جدول الأعمال، ولذلك لن تقرّ في جلسة  يوم غد، فيما لحظ البند السابع في جدول الأعمال الموزّع أمس على الوزراء عبارة “تعيينات مختلفة”، حيث ستقرّ التعيينات الأمنية الأساسية غداً.

يصطدم عمليّاً إقرار آليّة التعيينات الجديدة بقرار سابق للمجلس الدستوري عام 2020 بوقف مفاعيل قانون أقرّ هذه الآليّة. أمّا من جهة أوساط السراي فهناك حديث عن “آليّة ستراعي ثلاثة معايير أساسية: تجاوز اعتراض المجلس الدستوري عبر حفظ صلاحيّة الوزير ومجلس الوزراء في التعيينات، إقرار آليّة تضمن الشفافيّة ومعايير الكفاءة لدى كلّ مرشّح، وأساسها قانون عام 2020، وبناء جدار عازل يحول دون تسرّب الحسابات السياسية إلى حسم هويّة المرشّحين”.

سقوط آليّة 2010 و2020

في 8 تموز 2020، قدّم رئيس الجمهورية السابق ميشال عون مراجعة إلى المجلس الدستوري، طَعَن فيها بالقانون الصادر عن مجلس النواب في 3 تموز والمتعلّق بتحديد آليّة التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامّة والمراكز العليا في المؤسّسات العامّة، معتبراً أنّه “يقيّد صلاحية الوزير، واختصاص مجلس الوزراء، ويفوّض القانون المطعون به هيئة إدارية وتنفيذية صلاحيّات تنظيمية عائدة أصلاً لمجلس الوزراء”.

في 22 من الشهر نفسه، أبطل المجلس الدستوري بإجماع أعضائه برئاسة القاضي طنّوس مشلب، القانون برمّته لمخالفته الدستور، وذلك للأسباب نفسها الواردة في الطعن لجهة الانتقاص خصوصاً من سلطة الوزير الدستورية وسلطته في اتّخاذ القرارات لأنّه “أولى لجنة ثلاثية (مؤلّفة من  مجلس الخدمة المدنية، ووزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية بالتنسيق مع الوزير المختصّ) صلاحية تحديد مواصفات التعيين وشروطه وإجراء المقابلات الشفهية، ورفع لائحة بأسماء المرشّحين الثلاثة وفقاً لترتيب العلامات، ثمّ رفع الوزير المختصّ هذه اللائحة إلى مجلس الوزراء الذي يختار اسماً منها للتعيين”.

هي صلاحيّات، وفق المجلس الدستوري، لا تعود إلى اللّجنة المذكورة بل إلى مجلس الوزراء سنداً للمادّة 65 من الدستور، وللسلطة في اتّخاذ القرارات داخل السلطة الإجرائية العائدة للوزير وفق المادّتين 45 و66 من الدستور، ولعدم جواز إشراكه مجلس الخدمة المدنية ووزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في ممارسة سلطة التقرير.

يُذكر أنّ الآليّة التي أقرّتها حكومة سعد الحريري عام 2010، وعُرفت بآليّة محمد فنيش (وزير سابق تابع لـ”الحزب”)، لم تسلك طريقها إلى التنفيذ، فبقي الكادر الإداري رهينة الحصص السياسية على المفضوح. وقد أُعطيت الأولوية يومها للتعيين من موظّفي الفئة الثانية إلى الأولى من داخل الملاك، وإذا لم يكن العدد كافياً يتمّ التعيين من خارج الملاك في الحدود المسموح بها قانوناً. ولحظت إقرار مبدأ التقويم الدوري لإنتاجية ومسلكية المديرين العامّين في كلّ الإدارات والمؤسّسات العامّة ومجالس الإدارة.