خاص – إيران تحاول العودة إلى الساحة اللبنانية

خاص – إيران تحاول العودة إلى الساحة اللبنانية

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
11 آذار 2025

اقتربت سوريا من شفا حرب أهلية، انفجرت ملامحها الأولى بقوّة في الاشتباكات والتصفيات الجسدية التي جرت في مناطق الساحل السوري ذي الغالبية العلويّة. ولكنّ بذور هذه الحرب كانت تنمو أيضاً في المناطق الدرزية في الجنوب، وفي المناطق الكرديّة قرب الحدود مع تركيا. فالحكم الجديد ذو الخلفيّة الإسلامية ما زال ضعيفاً، ولم يتمكّن بعد من بناء نفسه، خصوصاً أنّه استلم البلد منهاراً على كلّ الصعد. وفي ظروف مشابهة، يصبح من السهل اللعب بالنار، وتدخّل دول إقليمية تستعمل الساحة السورية أرضاً لتصفية الحسابات وصراع النفوذ.

وإذا ما اندلعت حرب أهلية في سوريا، فهناك خوف كبير من أن تنتقل تداعياتها إلى لبنان، نظراً إلى تشابه الصورة الطائفية، وتشابك المصالح، ووجود قوى تأتمر بأمر إيران، كانت حتّى الأمس القريب من أقرب المقرّبين إلى نظام الأسد المعزول. وما يزيد المخاوف من ذلك، هو الاتّهامات التي صدرت عن مسؤولين في القيادة السورية الجديدة، والتي تكشف عن تدخّل “حزب الله” في ما حصل في الساحل السوري. كما أنّ بذور التوتّر ظهرت في طرابلس، بين جبل محسن العلويّ وجيرانه.

كما تستغلّ إسرائيل المرحلة الانتقالية، لتتوغّل داخل الحدود السورية، يبدو أنّ إيران أيضاً تريد أن تلعب كلّ أوراقها، قبل أن يحين موعد الحسم الأميركي. فاستناداً إلى كلام المرشد علي خامنئي والأمين العام لـ “حزب لله” نعيم قاسم، يبدو أنّ هذا المحور لم يقتنع بعد بالاستسلام. لا بل هناك معلومات من أكثر من مصدر، تُظهر أنّ طهران ما زالت مستمرّة في إدخال الأموال إلى لبنان، حيث تتمكّن من ذلك، بينما تتمّ مصادرة المبالغ التي تُكتشف.

وفي ظلّ انقطاع السبل البرّية والجوّية بين طهران و”الحزب” بسبب سقوط النظام في دمشق، فإنّ القيادة الإيرانية تخطّط، على ما يبدو، للعودة إلى بسط نفوذها في منطقة الساحل السوري، بالتحالف مع الغالبية العلويّة. وإذا ما تحقّق ذلك، فهذا يفتح خطّ تواصل جديداً مع لبنان. ومن البديهي أن تكون الخطّة لعودة إيران إلى الساحة السوريّة هي زرع الفوضى والحروب، التي تفتح المجال أيضاً لإعادة لبنان إلى أجواء الفوضى، وبالتالي محاولة إعادة النفوذ الإيراني.

وعلى خطّ موازٍ، تجد إسرائيل في زرع الفوضى في سوريا مكاسب لها في الوقت الراهن. فهي تريد البقاء في الأراضي السورية، وخصوصاً في جبل الشيخ الاستراتيجي، ويهمّها ألّا يقوى حكم أحمد الشرع، لأنّها غير مطمئنّة بعد إلى توجّهاته. كما تخشى من اتّساع النفوذ التركي في سوريا.

ولكنّ، للمفارقة، فإنّ أنقرة أيضاً قد تستغلّ الفوضى، إذا ما اتّسع نطاق الحرب وخرج عن السيطرة، للتدخل من أجل حماية حلفائها، وبحجة محاربة الإرهاب الداعشي، والفصائل الكردية. وما بين الاحتلال الإسرائيلي والنفوذ التركي والتدخّل الإيراني، قد تدخل سوريا في دوّامة حرب طويلة، على غرار ما حصل تقريباً في غالبية الدول العربية التي سقطت فيها الأنظمة الاستبدادية.

أمّا لبنان، الذي دخل عصراً من الاستقرار المفترض، مع وصول سلطة تنفيذية مختلفة عن السابق، فإنّ وضعه ما يزال شديد الهشاشة. فالجنوب محتلّ من إسرائيل، التي تسمح لنفسها ساعة تشاء، بأن توجّه ضربات إلى مواقع في العمق اللبناني، بحجّة وقف أنشطة “الحزب” ومحاولته إعادة التسلّح. وما زال حلّ معضلة السلاح في الداخل غير واضح، وقد يتسبّب بمواجهة أو بتهديد الاستقرار. فكيف للبنان أن يحمي نفسه من الرياح الساخنة الآتية من كلّ الجهات: جنوباً وشرقاً وشمالاً؟

يعوّل كثيرون هنا على الدور الاميركي، الذي يركّز اهتمامه على لبنان حاليّاً. وتعرف إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن البلد في حاجة إلى الدعم المختلف الأوجه، كي يستطيع النهوض من كبوته، وبناء دولة قويّة، تمسك الأمن وتبسط السيادة. ويعتقد محلّلون أميركيون أنّ واشنطن لا تريد التخلّي عن لبنان، كقاعدة أساسية لها في الشرق الأوسط، إلى جانب قواعد أخرى. وقد عيّنت سفيراًمن أصل لبناني، سيصل خلال أشهر لمواكبة كلّ التطوّرات.

أمّا التطور الذي حصل أمس عبر الاتفاق على انخراط قوات “قسد” ذات الغالبية الكردية، في القوات الشرعية السورية، فيؤكّد العمل الأميركي الحثيث على منع إيران من إعادة المعادلة إلى ما كانت عليه. فالاتّفاق مع “قسد” يقطع الطريق على أيّ تواصل محتمل في المستقبل بين إيران والأراضي السورية.

كما أنّ إدارة ترامب ستتصرّف في الأسابيع المقبلة في الملفّ الإيراني، الذي يبدو أنّ أوانه قد حان. فقد خيّر ترامب طهران بين الحلّ الدبلوماسي بالشروط الأميركية، أو الحلّ العسكري. والحلّ الأميركي يقوم على وقف عملية إنتاج السلاح النووي، إضافة إلى البرنامج الصاروخي، وطبعاً امتدادات إيران الخارجية، والتي أصبحت ضعيفة للغاية، من نظام الأسد إلى “حزب الله”. ومع حسم الموضوع الإيراني، سواء دبلوماسيّاً أو عسكريّاً، فإنّ أموراً كثيرة في المنطقة ستتغيّر.