“نفضة” القضاء: تشكيلات “جزئية” ودم جديد في قصور العدل

“نفضة” القضاء: تشكيلات “جزئية” ودم جديد في قصور العدل

الكاتب: فرح منصور | المصدر: المدن
9 آذار 2025
“نفضة” قضائيّة شاملة تنتظر السلطة القضائيّة مع انطلاق عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون وتشكيل الحكومة. باتت هذه التشكيلات حاجة مُلحة لملء الشواغر بعد مرور حوالى الست سنوات على توقف لائحة التشكيلات الأخيرة نتيجة الخلافات السياسيّة. ومع ارتفاع نسبة الشغور في أهم المراكز القضائيّة، يتم البحث في إجراء تشكيلات “جزئية سريعة” أو العودة للائحة التشكيلات الأخيرة التي وضعت في العام 2020.
الأزمات الكبرى
لعلّ الأزمة الكبرى تكمن في عجز مجلس القضاء الأعلى عن القيام بدوره وآداء المهام المتوجبة عليه، نتيجة انتهاء ولاية خمسة من أعضائه ليبقى رئيس المجلس، القاضي سهيل عبود وحده في مركزه. يتألف المجلس من 10 أعضاء (رئيس المجلس وهو الرئيس الأول لمحكمة التمييز، المدعي العام التمييزي وهو نائب رئيس مجلس القضاء، رئيس هيئة التفتيش القضائي وهو العضو الثالث الحكمي)، ويُعين 5 أعضاء بمرسوم من مجلس الوزراء بعد توقيع (رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، وزير العدل ووزير المالية)، ويبقى اثنان يجرى انتخابهما من قبل رؤساء ومستشارين من محكمة التمييز.

أهمية هذا المجلس أنه المسؤول عن إصدار التعاميم والتخاطب مع القضاة، وتحويلهم للمجلس التأديبي، وهو من يقرر إعطاء الإذن لملاحقة القضاة، والمسؤول عن إخراج لائحة التشكيلات القضائية وتسليمها لوزير العدل اللبناني تمهيداً لرفعها إلى مجلس الوزراء. ويحق لوزير العدل إعطاء الملاحظات على اللائحة ورفض تسليمها قبل تعديل بعض الأمور عليها.

بعد حلّ الأزمة في مجلس القضاء الأعلى، يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي التعيين في المراكز الشاغرة الأساسية، وعلى رأسها الهيئة العامة لمحكمة التمييز. توقفت اجتماعات هذه الغرف بسبب إحالة القضاة إلى التقاعد، وعين فيها قضاة بالانتداب أو بالتكليف لمرحلة مؤقتة. أهمية هذه الهيئة أنها المسؤولة عن النظر والبت في دعاوى مسؤولية الدولة عن أعمال القضاة (مخاصمة الدولة). وللغرف دورها في معالجة أزمة التعطيل في قضية المرفأ على سبيل المثال.
التفتيش القضائي، المعطلة بسبب الشغور، وهي الهيئة التي تلاحق القضاة وتتلقى الشكاوى بحقهم، وتحيلهم للمجلس التأديبي.

المجلس العدلي، والذي توقف عن متابعة الدعاوى والملفات منذ لحظة تكليف العضو الأصيل، القاضي جمال الحجار على رأس النيابة العامة التمييزية، لإحالة غالبية القضاة  إلى التقاعد أو لانتهاء ولايتهم، وهو بحاجة لقضاة أصيلين. ويعد المجلس العدلي أعلى محكمة قضائية تتابع فيها المحاكمات في الجرائم الخطرة المتصلة بأمن الدولة والسلم الأهلي وجرائم الاغتيالات السياسية والارهاب.

كذلك طال الشغورالنيابات العامة في كل قصور العدل. وتوضح مصادر قضائية لـ”المدن” أن الشغور شمل مراكز أساسية في القضاء اللبناني، ويدور النقاش الحالي حول إجراء تشكيلات قضائية “جزئية سريعة”. ويشير المصدر إلى “أن التشكيلات الجزئية لا تلغي التشكيلات الأساسية الشاملة، بل مهمتها الأساسية هي ملء الشواغر في أهم المراكز القضائية”. وهذه المراكز هي: المدعي العام في الشمال، المدعي العام في جبل لبنان، المدعي العام التمييزي في بيروت، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، المدعي العام المالي. وتتابع المصادر بالقول إن “الخطوة الأولى اليوم هي لتعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى ليتمكن المجلس من إعداد لائحة تشكيلات جزئية أو شاملة”، كاشفاً عن أن “فكرة التشكيلات الجزئية مطروحة ولكنها لم تحسم بعد، وتهدف إلى معالجة أزمات القضاء بشكل أسرع، ليتم التفرغ بعدها لإجراء تشكيلات شاملة”.

تراكم الملفات واكتظاظ السجون
تعود أزمة التشكيلات القضائية إلى العام 2017، ولائحة الأسماء التي لم يوقعها انذاك، رئيس الجمهورية ميشال عون. ونتيجة الخلافات السياسية بقيت التشكيلات القضائية حبرًا على الورق. وضاعف تأخر التشكيلات، مشاكل السلطة القضائية وأدى بالمقابل إلى تأخير الدعاوى وتراكم آلاف الملفات كما أدى إلى اكتظاظ السجون. وتم انتداب كل رؤساء محاكم التمييز والجنايات عوضًا عن تعيين قضاة بالأصالة، مما ضاعف عمل القضاة بحيث يتسلم كل قاض حوالى 3 إلى 4 محاكم في الوقت نفسه، وازدادت الأعباء ونتج عنها التقصير في عملهم، وتأخرت الأحكام لسنوات.

العودة إلى التشكيلات الأخيرة
وتشير مصادر قضائية لـ”المدن” إلى أن التشكيلات القضائية ستشمل كل القضاة، وستضم قضاة من مختلف الفئات العمرية أي أن الدم الجديد سيضخ داخل القضاء اللبناني، ولفتت إلى امكانية الاستعانة بلائحة التشكيلات الأخيرة في العام 2020 : “فلائحة التشكيلات الأخيرة استند فيها إلى معايير مهنية، ولم تعجب السلطة السياسية وهذا أمر في بالغ الأهمية، ولكن مرّ على هذه اللائحة سنوات عديدة، وبالتالي هناك قضاة تقاعدوا أو انتهت ولايتهم، ولكن من المرجح الانطلاق منها في التشكيلات المقبلة”.

بازار الأسماء
تتأرجح بوصلة الأسماء في التعيينات القضائية صعودًا وهبوطًا، ولم يحسم أي اسم حتى الساعة. وبما يتعلق بالمدعي العام التمييزي، القاضي جمال الحجار قد يصار إلى تثبيته في موقعه حتى شهر نيسان العام 2026، أو يتم اختيار قاض آخر. ومن ضمن الأسماء المتداولة: القاضي ربيع الحسامي، أو القاضي وائل الحسن. وتتحدث المصادر القضائية عن محاولات لطرح اسم وزير الداخلية السابق، بسام المولوي من بين الأسماء الأكثر تداولًا، أما بما يتعلق بالنيابة العامة المالية فالأسماء المتداولة هي: القاضي ماهر شعيتو، القاضي زاهر حمادة، القاضي حبيب مزهر، والقاضية فاتن عيسى، ويجرى التداول أيضًا باسم وزير الثقافة السابق، محمد وسام مرتضى، الذي يرغب بحسب مصادر قضائية بتولي هذا المنصب، ويتم التداول أيضًا باسم القاضي كلود غانم لتعيينه مفوضًا للحكومة في المحكمة العسكرية.

ووفقًا لمعلومات “المدن” فبعد تشكيل الحكومة الجديدة، حضر الوزيران مرتضى والمولوي إلى وزارة العدل، ووقعا على مباشرة عملهما القضائي. وتشير المصادر عينها إلى امكانية الاستعانة بهما بصفة استشارية داخل الوزارة أو تسليمهما مهاماً أخرى.