“الحزب”: “فينوغراد” سياسيّ وعسكريّ؟

“الحزب”: “فينوغراد” سياسيّ وعسكريّ؟

الكاتب: جوزفين ديب | المصدر: اساس ميديا
9 آذار 2025

بين إعادة إعمار الجنوب المدمّر، وإعادة لملمة الهيكلية التنظيمية البشرية والعسكرية، وجد “الحزب” نفسه في تموضع، لم يكن يتخيّله قبل بدء حرب مساندة غزة في أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. ليست خسائر “الحزب” في لبنان بشيء يُذكر أمام ضخامة الحدث السوري وانهيار نظام آل الأسد. ولكن، على الرغم من ذلك، أطلق “الحزب” ورشة داخلية لاستعادة ما أمكن من قدراته العسكرية والبشرية.

بين جذريّة التحوّلات الاستراتيجية في المنطقة وبين صلابة عقيدة “الحزب” وولائه الديني والسياسي لوليّ الفقيه شرخ كبير. كيف سيقارب “الحزب” المرحلة المقبلة؟ وهل يكفي الانحناء للعاصفة كي تمرّ بلا مزيد من الخسائر؟

أولويّة إعادة الإعمار

تزدحم أولويّات “الحزب” فتكاد تكون كلّ أولويّة أهمّ من الثانية. يكاد يحتار “الحزب” من أين يبدأ. ولكن لا بدّ من التأكيد أوّلاً أنّ حالة نكران الهزيمة وإن أصابت البيئة التي تشرّبت خطاب الانتصارات في السنوات الماضية، فإنّها لم تصب المسؤولين في “الحزب” الذين يدركون جيّداً مصابهم.

لذلك ينكبّ “الحزب” حاليّاً على ورشة عمل داخلية يتقدّمها إجراء تحقيق شامل هو أشبه بتحقيق “لجنة فينوغراد” التي حقّقت في إخفاقات الجيش الإسرائيلي عام 2006. مصادر مقرّبة من “الحزب” قالت لـ”أساس” إنّ عودة الناس إلى الجنوب والقرى المهجورة هي أولويّة مطلقة، ولذلك يسارع “الحزب” إلى دفع تعويضات الإيواء والترميم الجزئي. إلّا أنّ تعويضات إعادة الإعمار لا تزال غير متوافرة ويخشى “الحزب” أن تكون مرتبطة بشروط سياسية.

تحقيقات بالجملة

على المستوى الداخلي في “الحزب”، هناك مستويان من العمل:

1- ترميم وحدات “الحزب” البشرية وما توفّر من إمكانات عسكرية.

2- نقاشات في ما جرى وكيف جرى، وإجراء تحقيقات أمنيّة إدارية على كلّ المستويات لمعرفة أسباب الخروقات التي تعرّض لها. ما يجري أشبه بلجنة فينوغراد خاصّة بـ”الحزب”، كتلك التي أقامتها إسرائيل في أعقاب حرب تموز 2006.

3- نقاش في المستقبل. في هذا العنوان يمكن الاستفاضة في الكلام عن جوهر “الحزب” وإمكان تحوّله من عدمه، والبحث في تاريخه ومستقبله، وبدأ النقاش في اليوم التالي للحرب انطلاقاً من سؤالين: إلى أين نحن ذاهبون؟ ما هي هويّتنا ودورنا؟

هذا كلّه على طاولة البحث، إلّا أنّ ما هو خارجها قد يكون الأكثر أهمّية بالنسبة إلى لبنان والخارج. ما هو خارج النقاش كما تقول مصادر مقرّبة من “الحزب” “هو ثبات العلاقة بإيران والمقاومة”.

“الحزب” وإيران: ارتباط لا ينكسر

الحديث عن “لبننة” “الحزب” يفتقر أحياناً كثيرة إلى المعرفة العميقة لتركيبة هذا التنظيم وعقيدته. فعقيدة “الحزب” الدينية والسياسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوليّ الفقيه، وهو أمر لا يمكن فصله بحرب ولا بضغوط دولية ولا حتى بإسقاط أنظمة. فالتكليف الشرعي أعمق من السياسة، ولذلك لا ينقطع الارتباط الشرعي في حال الخسارة أو تراجع النفوذ.

ارتباط “الحزب” بإيران هو أعمق ممّا يظنّه البعض. وأيّ مراجعة سياسية يقوم بها “الحزب” لا يقوم بها بمعزل عن عقيدته الدينية. فعندما يقول الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم: “إنّنا تحت سقف الطائف”، لا يعني ذلك التخلّي عن عقيدته المرتبطة مباشرة بولاية الفقيه ولبننة “الحزب”، والدليل أنّه قال في الخطاب نفسه: “نحن أبناء الولاية”، ويعني بذلك أنّ “الحزب” قد اتّخذ قراراً بأن يكون حاضراً في السياسة الداخلية تحت سقف النظام، بصفته ابناً لولاية الفقيه. وهذا ما قد يفسّره البعض انحناء أمام العاصفة، أو قد يفسّره البعض أنّه رسائل تطمين إلى الداخل.

انخراط في الدّاخل والسّلاح… باقٍ

يقول مصدر مقرّب من “الحزب” إنّ خسارة سوريا هي استراتيجيّة أكثر من خسارات “الحزب” بشراً وحجراً وسلاحاً في لبنان على أهمّيّتها. إلّا أنّ ذلك لا يعني انكفاء “الحزب” عن البحث عن طريقة لاستكمال ما بدأه عبر الاستعداد مجدّداً، عبر مجموعات مدرّبة، وسلاح بغضّ النظر عن حجمه، لأيّ مواجهة محتملة. يأتي هذا الكلام ردّاً على إنشاء إسرائيل مناطق عازلة في كلّ من غزة ولبنان وسوريا.

بالتالي ليس كلام رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الأخير في مجلس النواب عن “الاستعداد للنقاش ضمن استراتيجية وطنية” سوى إقرار بأنّ “الحزب” سبق أن وافق على تسليم سلاحه ومراكزه للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، لكن لن يفعل ذلك شمالاً. وعليه ترك “الحزب” للدولة جنوب الليطاني أن تتعامل مع الخروقات الإسرائيلية من دون أن يتدخّل، التزاماً منه بقرار التسليم جنوب الليطاني لا شماله.

لكن بموازاة إعادة تموضعه وتنظيمه لهيكليّته، تقول مصادر مقرّبة من “الحزب” إنّه سيكون أكثر حضوراً في الملفّات الداخلية، لا سيما أنّ ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً “بأيّ مقاومة نريد”. وهذا بحدّ ذاته موضع نقاش جدّي في “الحزب”. مقاومة بمئات الصواريخ البالستية إذا توفّرت أم مقاومة باقتصاد متين ونموّ داخلي مع قليل من الصواريخ البالستية؟ هذا هو لبّ النقاش الذي يخوضه “الحزب” واضعاً على الطاولة تجربة الحرب الأخيرة التي كانت درساً باهظ الثمن لبناء المستقبل.

على المقلب الآخر، رئيس أميركي لأربع سنوات يهدّد من خلف البحار إيران بإسقاط نظامها. وفي هذا تداعيات على كلّ المنطقة، ولا يعود للجنة “فينوغراد” ولا لغيرها أهمّية في ميزان لبنان الداخلي. فهل يلتقط “الحزب” هذه المرّة الرياح الدولية أم يعيد ارتكاب خطيئة سوء التقدير؟