“المفارقة اللبنانية”: المرأة متفوقة أكاديمياً ومتأخرة وظيفياً

“المفارقة اللبنانية”: المرأة متفوقة أكاديمياً ومتأخرة وظيفياً

الكاتب: لوسي بارسخيان | المصدر: المدن
8 آذار 2025
تعيد الأرقام نفسها في كل عام بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فتذكرنا بأن مساهمة المرأة اللبنانية في القوى العاملة ليست على ما يرام، لا بل زاد الواقع سوءاً مع تدهور قيمة العملة اللبنانية، وعدم تعافي الإقتصاد بالشكل اللازم حتى الآن، ليتفاقم بشكل دراماتيكي مع توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام الماضي، حيث قدّر البنك الدولي خسارة لبنان الاقتصادية بهذه الحرب بـ 11 مليار دولار، متسبباً بهبوط في الناتج المحلي الإجمالي (الـGDP) نسبته 6.6 في المئة.
التقارير الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية تدل على أن تأثير الأزمات اللبنانية كان أكبر على المرأة من الرجل. إلا أن هذه الفجوة بين الجنسين ليست وليدة الساعة. بل أظهرت دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي حول الفجوة العالمية بين الجنسين في سنة 2024، المتضمنة مؤشر المشاركة الاقتصادية، حلول لبنان في مرتبته الـ 133 بمكانة متأخرة جداً عن دول العالم في تحقيق المساواة بين الجنسين.
صحيح أن 33 في المئة من اللبنانيين عموماً يعانون البطالة، إلا أن وقعها يبقى أقوى على النساء اللواتي لا تشكلن سوى نسبة 25 في المئة من القوى العاملة. علما أن هذه الأرقام وفقاً لكورين قيامة رئيسة الرابطة اللبنانية لسيدات العمل تعود الى دراسات جرت قبل سنة 2023، متوقعة أن تكون مؤشراتها زادت سوءاً بعد الحرب التي شهدناها في سنة 2024.
بين الزراعة والصناعة
ومع ذلك يبقى حضور المرأة في بعض الوظائف أفضل من سواها. وهي تتفوق خصوصاً في القطاع التعليمي، حيث نسبة المعلمات تفوق الـ70 في المئة وفقا للدولية للمعلومات، وبمختلف مراحل التعليم الأساسي، بينما هي تنخفض في التعليم الجامعي إلى ما دون الأربعين في المئة. علماً أن أجر المعلمات أقل من أجر الأساتذة الرجال في كل مراحل هذا التعليم.
بين الزراعة والصناعة، يبدو حضور السيدات أكبر في القطاع الأول خصوصاً أن معظمها يد عاملة عائلية.  بينما يلفت الحضور الأقوى للقوى العاملة المتخصصة من السيدات في القطاع المصرفي على رغم انعكاس الأزمة المالية سلباً عليها في السنوات الأخيرة، وكذلك في قطاع الصيدلة والتمريض. ليظهر الحضور الأضعف للسيدات في قطاع التكنولوجيا والهندسة.
في جميع هذه الوظائف تبرز اللامساواة بين المرأة والرجل في الترقيات، أو الرواتب. إلا أن الأهم وفقاً لقيامة هي الفجوة التي تظهر بين الجنسين في وظائف مراكز القرار أي مجالس إدارات الشركات الكبرى. ففي القطاع الخاص مثلاً كانت نسبة تمثيل السيدات في مجالس إدارة الشركات الكبرى تتراوح بين 17 و20 في المئة أما اليوم فقد انخفضت الى 14 في المئة. وتبلغ في مؤسسات القطاع العام 11.3 في المئة. بينما أظهرت دراسة أجرتها الرابطة اللبنانية لسيدات العمل في مجالس إدارة الشركات المتداول بأسهمها في سوق البورصة والتي يفترض أن تكون حققت نمواً كبيراً، أن مشاركة السيدات في مجالس إدارتها هي 6.3 في المئة فقط.
تفوق أكاديمي
وتشرح قيامة أن تدني نسبة السيدات في سوق العمل بلبنان بدا مستغربا للعديد من المنظمات التي أجرت دراسات عديدة في السنوات الماضية، أبرزها الـ UNWOMEN ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، اللتين بحثتا أولاً عن أسباب هذه الظاهرة في الجامعات، لمعرفة ما إذا كان ضعف وجود السيدات في سوق العمل مرتبط بعدم تخصصهن الجامعي، إلا أنه تبين أن 49 في المئة من طلاب الجامعات هم من الإناث و51 في المئة من الذكور، لا بل نسبة 47 في المئة من طالبات الجامعات تتخرجن بدرجات أعلى من الطلاب الذكور، وهذا ما سمته UNWOMEN ب the Lebanese paradox أو المفارقة اللبنانية. إذ كيف يعقل أن تكون الفتيات الأكثر تخصصاً، والأقل مشاركة في سوق العمل.
عوائق رئيسية
وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال تم استنتاج ستة عوائق رئيسية تحول دون مشاركة سيدات لبنان الفاعلة في سوق العمل. ثلاثة منها متعارف عليها وهي: الأعراف الاجتماعية، التحرش الجنسي في مكان العمل، عقوبة الأمومة. علماً أنه من الأصعب على المرأة أن تجد عملاً إذا كانت أما، حتى أن البعض عندما يوظف متزوجات يسألهن ما إذا كنا تخططن لإنجاب طفلٍ قريباً.
العوائق المتبقية هي بذات الأهمية وفقاً لقيامة التي تخشى من تدني نسبة تخصص الطالبات الجامعيات بمجالات التكنولوجيا والهندسة والتي لا تتجاوز بحسبها الـ16 في المئة، ومن توجه النسبة الأكبر منهن للتخصص بالفنون، العلوم، والتدريس، بوقت أن وظائف المستقبل هي للمتخصصين بعالم التكنولوجيا.
العدد القليل لرائدات الأعمال اللبنانيات وفقدانهن لمصادر التمويل يبدو أيضا مستغرباً، وفقاً لقيامة. ثمانية في المئة من السيدات فقط رائدات عمل، من بين هؤلاء 17 في المئة فقط تلقين تمويلات قبل سنة 2018، لتنقطع معظم هذه المصادر مع أزمة المصارف. فيما لم يبق من صناديق الرأس المال الاستثماري سوى واحدة وهي ممولة من الـUSAID، مما يجعل مصيرها غامضاً أيضاً في ظل القرارات المتخذة من قبل الإدارة الأميركية بوقف نشاطاتها. علماً أنه، خلافاً للمتوقع، فإن السيدات اللواتي خسرن أعمالهن خلال جائحة كورونا أو الحرب توجهن إلى ريادة الأعمال، إلا أن معظم مؤسساتهن بقيت مكتومة. ومع ذلك سجل بأصعب الأيام بين عامي 2018 و2019 تأسيس شركتين كانتا لسيدات.
تفاوت بالأجور
وتوافق قيامة على أن التفاوت في الأجور هو أيضاً سبب في تراجع القوى العاملة النسائية وهذا التمييز، كما تقول، موجود وملموس ولا يزال وعلى عينك يا تاجر. شارحة “أننا كسيدات لا نريد المساواة مع الرجل إنما نريد العدالة والإنصاف. وما نطالب به هو “المرونة” في منح الموظفات حرية في تحديد مكان، وقت، أو طريقة أداء عملهن، بما يراعي المسؤولية الإضافية التي تتحملها الأم عادة عن أولادها، فيحقق لها التوازن بين الحياة المهنية والشخصية ويسمح لها بزيادة الإنتاجية”. مشيرة الى أن هذا ما طلبته الوزيرة عناية عزالدين بمشروع قانون عرض منذ عامين. وبغير ذلك ستتحول الامومة الى عقوبة بالحياة العملية.
وتشرح قيامة أن هناك قادة من السيدات في لبنان في المراكز التنفيذية للشركات، وإنما يبرز الخلل في مجالس إداراتها. ومن هنا تقول أهمية تطبيق الكوتا النسائية في مراكز القرار بالوظائف، تخطياً للعوائق التي ترفع فوق رأس المرأة متى وصلت إلى مركز تنفيذي عال. وهذه الكوتا “ليست إختراعا لبنانياً” كما تؤكد إنما هي مطبقة في أكثر الدول تقدماً كالنرويج، كندا، بلجيكا وفرنسا وهي مطلوبة في الشركت كما في السياسة.
وتشدد قيامة في المقابل على أنه لتكون المرأة في المراكز العليا يجب تمكينها وظيفياً منذ دخولها الى سوق العمل، وبالتالي يجب إنصافها، والتأكد من أنها ترتقي بالمساواة مع الرجل، مع مراعاة الفرق بينهما في المهمات الإضافية المفروضة على المرأة. متحفظة على عدم تضافر الجهود حتى بين النساء من أجل الوصول الى هذه الأهداف، إذ أن هناك عدة جمعيات مراعية لشؤون المرأة، إلا أن كل منها تعمل بشكل منفرد وتبدو غير قادرة على الإجتماع تحت سقف واحد لرفع صوت موحد. علماً أن حركة النساء لا يجب أن تكون نسوية بحسب قيامة، بل يجب أن تقبل بمشاركة الرجال في كوتا من ضمن الجمعيات ليكونوا شركاء في المناداة بالحقوق. معتبرة أنه “من دون تضافر الجهود قد يستغرقنا الأمر أكثر من مئة سنة أخرى لنحقق المساواة بين الجنسين.”
تختم قيامة “إبنتيّ اليوم في المرحلة الجامعية، وإذا كانتا ستدخلان الحياة العملية هناك تجارب مررت بها لكوني امرأة، أتمنى الا تختبراها. والمسألة ليست صعبة. ولتكن البداية بقانون يحمي السيدات من التحرش الجنسي وإقرار الكوتا المذكورة.”