سلبيتا ظروف تشكيل الحكومة ومصطلح “الطائفة المجروحة” الفرقة المُنحرفة والغزو الشيعي

سلبيتا ظروف تشكيل الحكومة ومصطلح “الطائفة المجروحة” الفرقة المُنحرفة والغزو الشيعي

الكاتب: سامر زريق | المصدر: نداء الوطن
8 آذار 2025

منذ أيام قليلة، وصف الداعية الكويتي البارز الشيخ عثمان الخميس حركة “حماس” بأنها “فرقة سياسية مُنحرفة ألقت نفسها في أحضان إيران وسلكت طريقاً سيئاً”، في تصريح أحدث جدلاً واسعاً على منصات التواصل وفي أوساط الملتزمين دينياً.

وعزّز هذا الجدل من طابع الانقسام حول “حماس” القائم منذ سنوات بسبب تحالفها مع نظام “ولاية الفقيه”، والذي كان السبب الأبرز في افتقارها إلى مظلة الدعم الشعبية التقليدية إبان الحرب الأخيرة على غزة. ويعكس ذلك حجم النفور السني، لبنانياً وعربياً، من ملالي إيران، واعتباره عدوّاً يتساوق مع إسرائيل.

يقول الله تعالى في سورة “الزُمُر” مخاطباً النبيّ الأكرم “إنّا سُنلقي عليك قولاً ثقيلاً”، والتي فسّرها الإمام القرطبي “سنُلقي عليك بافتراض صلاة الليل قولاً يثْقل حِمله، لأن الليل للمنام، فمن أُمِرَ بقيام أكثره لم يتهيّأ له ذلك إلا بحمل شديد على النفس”. والشاهد في الموضوع، أن تناول قضية العلاقة بين السنة عموماً، والشيعة “الولائيين” يعدّ “حملاً ثقيلاً” يفضّل كُثرٌ عدم تناوله سوى في إطار سياسي – نخبوي ضيق.

إلا أننا سنوسّع الإطار قليلاً نحو الطبقة الوسطى التي قليلاً ما جرى الاهتمام بها، رغم كونها الكتلة الناخبة الأكبر، وكلما اتسعت قاعدتها كان ذلك من علائم ارتفاع مستوى الرفاهية في أي بلد، وذلك من أجل تبيان المشاعر والانطباعات الراسخة في العقل الجمعي لهذه الفئة، حتى لا تبقى حبيسة جلسات ضيقة يحفل بها الشارع السني، ولا سيما أنه يعوّل كثيراً على “حكومة الإنقاذ” في إعادة التوازن المكسور في العلاقة المجتمعية.

يبدي شطر واسع من السنة تبرمهم من “الغزو الشيعي الولائي”، بشقّيه “الناعم” و”الخشن”، والذي منحهم السيطرة على الفضاء الإسلامي العام، ومن بعده الوطني، وجعلهم مغيبين أو مقصيين من عوالم السياسة والدبلوماسية والإدارة والأمن والثقافة والإعلام، وصولاً إلى الفن، ما خلا أصوات متفرقة لا يمكنها أن تحدث الفارق المأمول بظل ضعف الإمكانيات في مواجهة مشروع كبير.

ثمة اعتقاد أن هذه العملية كانت نتاج “مؤامرة” متدرّجة نجحت في إزاحتهم من المشهد، باتفاق بين القوى العالمية وملالي إيران. تتناسل هذه الفكرة من “نظرية المؤامرة” المتجذّرة في العقل الجمعي منذ انهيار “الخلافة” أوائل القرن الماضي، وما أعقبها من تراكم الخيبات، من ثورة الشريف حسين مروراً بالقومية العربية وصولاً إلى هزيمة الناصرية “النكراء”، التي أدت إلى “إحباط عربي” نجم عنه عملية إحياء إسلامي ارتجاعي، أنتج إسلاماً راديكالياً بنسختين لا يلتقيان: “ولاية الفقيه” و”الإسلام الجهادي”.

غداة أحداث 11 أيلول 2001، احتضن الغرب النسخة الأولى، وتحالف معها لملاحقة الثانية بحملة شديدة القسوة توسعت في التضييق على السنة تحت مفهوم “رُهاب الإسلام”، وأتاحت الفرصة للمشروع الولائي الإيراني للتمدّد في لبنان والحواضر العربية والإسلامية، وممارسة الإرهاب بمختلف صنوفه بحقّ المجتمعات السنية، والإطاحة بكفاءاتها خارج دائرة القرار والتأثير، خصوصاً في مؤسسات الدولة، واستبدالها بمجموعات معدومة الكفاءة، تدين بالولاء الكامل لـ “حزب الله” وسائر أدوات المشروع الإيراني.

هذا الشعور هو الذي أدى إلى ولادة ما يعرف بـ “الإحباط السني”، والذي تمخّض عنه عدم الارتصاف خلف أي فصيل يحمل لواء مقاومة إسرائيل، للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. وهذا ليس تفصيلاً، خصوصاً عندما نذكّر أن الرئيس سعد الحريري في خطاب تعليق العمل السياسي المقتضب أشار بوضوح إلى النفوذ الإيراني ضمن مسبّبات قراره.

منذ أحداث “الشيخ جرّاح” عام 2021، بذل “حزب الله” بالمشاركة مع “حماس” وسواها من المجموعات الإسلامية الحليفة جهوداً جبارة لاختراق الشارع السني وإنتاج “وحدة إسلامية” بأبعاد جيوسياسية، إلا أنه لم ينجح حتى في تحصيل الحد الأدنى من التعاطف الشعبي رغم كل ما تعرض له من ضربات وخسائر.

علاوة على ذلك، رفعت التحولات العاصفة من منسوب الأمل السني في إمكانية تخليص البلاد من القبضة الإيرانية وهيمنة حزبها، غير أن ظروف تشكيل الحكومة واستيلاد مصطلح “الطائفة المجروحة” كان لهما مفعول سلبي. لذلك، من التحديات التي تواجه الحكومة، وخصوصاً رئيسها نواف سلام، إيلاء الأهمية اللازمة لرتق هذا الجرح، من خلال إعادة تفعيل حضور السنة في مختلف المجالات، وعلى رأسها بالطبع مؤسسات الدولة، كي لا تبقى أفئدتهم ترنو إلى الخارج في نزيف كارثي يهدد مستقبلهم كـ “جماعة” باستمرار التحول إلى كتلة اجتماعية “على الهامش”.