
خاص- الحكومة تستعدّ لمواجهة قاسية مع الحزب
جاء وقت الجدّ بالنسبة إلى حكومة نوّاف سلام. فبعد نيل الثقة، بدأ العمل الفعلي، وانعقدت الجلسة الأولى لمجلس الوزراء الخميس. إنّها بداية الطريق في مسار شاقّ ومتشعّب من بناء الدولة، بدءاً بالموضوع الجنوبي وتأمين الانسحاب الإسرائيلي، وصولاً إلى سيادة الدولة على أراضيها ونزع سلاح القوى غير الشرعية، ومن ثمّ مشروع الإصلاح الاقتصادي والمالي، الذي يُفترض أن يتصدّى لسياسة الفساد المتجذّرة.
ويؤكّد مصدر وزاري أنّ عملية “الإصلاح والإنقاذ”، وهو العنوان الذي أُطلق على اسم الحكومة، هي مسار مترابط الحلقات، من ملف السلاح إلى إنهاء الاحتلال والموضوع الاقتصادي. وأعطى مثلاً على مدى الترابط، قائلاً: لا يمكن ردم حفرة في طريق أو تأمين التيار الكهربائي، ما لم يتمّ سحب السلاح، وما لم تسيطر الدولة على كلّ المرافق والإدارات سيطرة فعلية. فإذا لم تثبت السلطة الشرعية أنّها صاحبة القرار، وإذا لم تقم ببسط سيادتها وحصر السلاح بها، فلا أموال ولا استثمارات ستأتي إلى لبنان، وربّما أيضاً ستُقنّن المساعدات للجيش اللبناني. وإذا لم يحصل كلّ ذلك، فمن الصعب وضع خطّة للنهوض الاقتصادي وإيجاد الموارد لتطبيقها.
فهل سينصاع “حزب الله” بكل بساطة لقرار سحب سلاحه، وهو لبّ الموضوع والخطوة الأولى التي لا إصلاح من دونها؟
لا يبدو أنّ “الحزب” سيقبل بالأمر الواقع. فهو ما زال يعاند، لا بل يتحايل على الوقائع لمحاولة تحسين وضعه. وكلّ التصريحات الصادرة عن مسؤولين فيه تؤكّد أنه لا يريد تسليم السلاح شمال الليطاني. فكيف سيتصرّف الجيش من دون أن يضطرّ إلى الاصطدام بالبيئة الشيعية؟
يعتبر بعض التقارير التي تُنشر في مراكز دراسات في واشنطن أنّ الحكومة اللبنانية ما زالت في حاجة إلى الدعم الأميركي من أجل تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من التلال المحتلّة، وسحب السلاح من الداخل. فهذه مهمّة صعبة قد تؤدّي إلى تهديد الاستقرار. وترى هذه التقارير أنّ هذه العملية الصعبة في حاجة إلى مواكبة أميركية ودولية من خلف الكواليس، ومن خلال اللجنة المشرفة على وقف النار في الجنوب.
كما أنّ ذلك يقتضي مدّ الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد. ولكن واشنطن التي لم تقطع مساعداتها للمؤسسة العسكرية، تريد أن ترى أعمالاً على الأرض قبل زيادة هذا الدعم. وهذا ما يشبه حكاية إبريق الزيت. ولكن في الواقع، تمكّنت القوى العسكرية اللبنانية من تنفيذ الكثير من المهامّ، التي كانت تمتنع عنها في السابق، مثل العمل على فتح طريق المطار التي أقفلت بالاحتجاجات، واتّخاذ الحكومة قراراً بمنع الطيران الإيراني من الهبوط في مطار بيروت. كما تمّت مصادرة الأموال التي أدخلت إلى لبنان قبل أيّام عبر تركيا، وتعزّزت المراقبة على الحدود البرّية.
أمّا في ملف الإصلاح المالي، فثمّة عراقيل كثيرة على الحكومة إزالتها. فمافيا الفساد قويّة ومتجذّرة، ولن تتخلّى بسهولة عن مصادر تمويلها، عبر الصفقات ونهب خزينة الدولة. وقد أبدى صندوق النقد الدولي الاستعداد للمساعدة، ولكن بعد إنجاز الإصلاحات المطلوبة. وكذلك كان موقف المملكة السعودية، التي عاودت انفتاحها على لبنان. ولكن الاستثمارات شأن آخر يحتاج إلى تجهيز الأرضية من جانب الحكومة، على كل الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية.
وهنا العمل كبير جداّ، بسبب الهريان الذي يضرب مؤسسات الدولة، بدءاً بإجراء التعيينات في المراكز الأساسية الشاغرة، التي تحتاج إليها الإدارة لتسير فيها عجلة العمل. هذا ما بدأ به مجلس الوزراء في جلسته الأولى، حيث يُتوقّع أن تجري الدفعة الأولى من التعيينات في الجلسة المقبلة، أو تباعاً في الجلسات التي تلي. وهذه التعيينات ستكون تحت أنظار المجتمع الدولي، الذي يريد شخصيات كفوءة غير فاسدة.
أمّا في ما خصّ الإصلاحات في كلّ الوزارات والقطاعات المتعلّقة بها، فهي هائلة ومتشعّبة، وستواجَه بمحاولات العرقلة من المجموعات التي كانت تستفيد من الكهرباء والتهريب والسمسرات. وهي في الواقع شبكة مترابطة متعاونة.
وقد أصدرت الحكومة موازنة العام 2025 بمرسوم بسبب ضيق الوقت، وقد تُجري عليها تعديلات لاحقة. ولكنّ التعويل على موازنة العام 2026 التي ستكون مدروسة وتشمل الإصلاحات المطلوبة، كما أعلن رئيس الحكومة نوّاف سلام. وبعدها، كيف ستحلّ الحكومة قضية مغارة علي بابا في الكهرباء مثلاً، وهي من أهمّ مسبّبات العجز في الميزانية، والذي أدّى إلى إفلاس الدولة وسرقة أموال الناس. أمّا مصدر العجز الثاني، فهو القطاع العام، الذي يكلّف الدولة أكثر ممّا ينتج. وتُعتبر إعادة هيكلة هذا القطاع من المهمّات العسيرة. وعلى الحكومة الجديدة إعادة جدولة الدين العام، وهيكلة المصارف وإيجاد مخرج لأموال المودعين، وملاءمة المعاشات مع الأسعار، وتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية، من الضمان إلى المياه والطرقات، وإعادة الألق إلى الجامعة اللبنانية… واللائحة طويلة جداً.
يتوقّع أن تواجه الحكومة عرقلة عند كلّ مفترق من مفترقات الإصلاح، وستتعامل مع فئات رافضة للتغيير، وستواجه مقاومة لتفعيل دور القضاء وتنقيته. فهل سيقوى الإصلاح على الفساد هذه المرّة، ويتغلّب منطق الدولة على منطق المحاصصات؟