
حكومة سلام إلى ثقة البرلمان… وعون إلى الرياض لاستعادة ثقة العالم
ينطلق عهدُ الرئيس جوزف عون، خارجياً الاثنين، المقبل بزيارةٍ بالغةِ الأهميةِ سيقوم بها للمملكة العربية السعودية وستشكّل أولَ ترجمات «لبنان الجديد» الآخذ في التشكّل على وهج التحولات الجيو – سياسية في المنطقة.
وتكتسب إطلالة عون على العالم من البوابة السعودية بعد أن تكون حكومة الرئيس نواف سلام نالت ثقة البرلمان في ختام جلستيْ مناقشة بيانها الوزاري اليوم وغداً، دلالاتٍ بارزةً لاعتباراتٍ عدة أهمّها:
– أن السعودية، التي كانت شريكةً رئيسيةً في رعاية المسار الجديد في لبنان الذي انتُخب عون في سياقه قبل تكليف سلام تشكيل الحكومة، تحوّلتْ في الفترة الأخيرة «منصةً عالميةً» في الإقليم وصانعةَ سلام دولي، خصوصاً في ضوء الدور الـ«ما فوق عادي»، الذي تؤديه كجسرٍ لإنهاء حرب أوكرانيا ورعايتها واستضافتها المحادثات الأميركية – الروسية في هذا الشأن.
– ان اختيارَ الرئيس عون الرياض لتدشين زياراته الخارجية، كما كان وعَدَ خلال اتصال التهنئة بانتخابه الذي تلقّاه من ولي العهد رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الذي وجّه له فيه دعوةً إلى المملكة، يعبّر عن رغبةِ العهد الجديد في معاودة وصْل ما انقطع مع العمق العربي للبنان وتأكيد انخراطه مجدداً في نظام المصلحة العربية بنسخته المحدّثة وفق المتغيّرات الكبرى في المنطقة، وتالياً إكمال إشاراتِ الخروج من «المحور الإيراني» وبدءِ ورشةِ بناء الدولة واحتكارها السلاح وامتلاكها لوحدها قرار الحرب والسلم واستطراداً تكريس «حزب الله» كقوّة محلية، بلا أدوار أو «أنياب» إقليمية، وبنفوذ سياسي يعكس تبدّل الموازين في الخارج والداخل.
وإذا كان البيان الوزاري لحكومة سلام عبّر بوضوحٍ عن هذه الإشاراتِ وأَسْقَطَ عبارة المقاومة للمرة الأولى منذ ما لا يقلّ عن ربع قرن، فإن الكلامَ «بلا قفازات» الذي أبلغه عون إلى رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف خلال استقباله إياه الأحد، حول «أن لبنان تعب من حروب الآخَرين على أرضه»، وتنويهه «بما صدر عن قمة الرياض الأخيرة ولاسيما تأكيد حل الدولتين بالنسبة إلى القضية الفلسطينية وأنّ السلطة الفلسطينية هي الممثّل الشرعي للفلسطينيين» عَكَسَ نَمَطاً جديداً غير مألوف في التعاطي مع طهران و«ترسيم حدودِ» الدولة اللبنانية تجاه أي تَدَخُّل في شأنها عبر اقتيادها إلى حروبٍ، إلى جانب التماهي الكامل مع الرؤية العربية لقضية فلسطين ومرتكزات حلّها.
– أن زيارة عون للسعودية تسبق مشاركته في القمة الطارئة التي تستضيفها القاهرة في اليوم التالي حول قطاع غزة، والتي سيطلّ من خلالها على العالم العربي الذي يقود الرئيس اللبناني مسار العودة إلى… حضنه.
وستشكّل الثقةُ التي ستنالها حكومة سلام غداً ويُرجّح أن تناهز الـ 100 صوت (من أصل 128 نائباً) عامل دفْعٍ لمحطة عون في السعودية، باعتبار أن اكتمال المواصفات الدستورية للحكومة الجديدة وفق ثوابت البيان الوزاري التي ارتكزت في 80 في المئة منها على مضامين اتفاق الطائف (الذي كانت الرياض عرّابته) و20 في المئة على خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية، يعني أنّ القطار وُضع على السكة لجهة بدء ترجمة التعهدات الرسمية بالإصلاحات المالية والهيكلية ومكافحة الفساد واستعادة سيادة الدولة ومعالجة مسألة سلاح «حزب الله»، وفق مندرجات اتفاق وقف النار مع إسرائيل والقرار 1701 وأخواته، وهي العناصر الشَرْطيّة لدعم الخارج إعادة إعمار لا يُعقل تَصَوُّر أن تكون من دون ضمان أن لا حرب جديدة تلوح في الأفق، غداً و… بعد اليوم.
وفي الوقت الذي شيّع «حزب الله» أمس السيد هاشم صفي الدين في مسقطه في دير قانون النهر (الجنوب) حيث تمت مواراته غداة الوداع الكبير للسيد حسن نصر الله في بيروت، تم التعاطي مع مشهديةِ الأحد على أنها بمثابة اللجوء إلى «الاحتياط الشعبي» لإثبات «نحن هنا» والبناء على ذلك للاستحقاقات المقبلة (خصوصاً انتخابات 2026 النيابية) من دون أن يكون ذلك كافياً ولا كفيلاً بإعادة عقارب ساعة التحولات الإقليمية إلى الوراء وتعديل الموازين انطلاقاً من الواقع اللبناني الذي خسر فيه «حزب الله» تَفَوّقه السياسي ربْطاً بانتكاسته العسكرية الكبيرة في الحرب مع إسرائيل التي مازالت تحتلّ تلالاً إستراتيجية على الحدود وتُعْلي تنفيذ مضامين اتفاق وقف النار في كل لبنان وإلا أخذت الأمر على عاتقها و… بيدها.
ولم تكن عابرة أمس مواقف أطلقتها المنسقة الخاصة وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت ضمن سلسلة محاضرات تنظّمها دائرة الدراسات السياسية والدولية (POLIS) في كلية الآداب والعلوم في الجامعة اللبنانية الأميركية(LAU)، وذلك في معرض حديثها عن مآل القرار 1701 على مدى 18 عاماً والحرب الأخيرة وقضايا مهمة مثل ترسيم الحدود والسلاح في لبنان.
وقالت بلاسخارت: «يجب أن يبدأ التنفيذ الفعلي للقرار 1701 الآن على جانبي الخط الأزرق، وما وراء ضفتيْ نهر الليطاني (جنوبه وشماله). في لبنان تحديداً، تتوفر جميع العناصر اللازمة لتحقيق ذلك، بما في ذلك التزامكم أنتم في هذه القاعة بضمان عدم عودة النزاع، لكن نجاح هذه العملية يعتمد على شموليتها، حيث لكل طرف دور أساسي يؤديه».
وفي موازاة ذلك، استوقف أوساطاً متابعة تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» أوردت فيه أنه بعد مرور ثلاثة أشهر على موافقة «حزب الله» على وقف النار «أصبح الضرر الذي ألحقتْه القوات المسلحة الإسرائيلية بالجماعة الشيعية المدعومة من إيران واضحاً: فقد تدهورت قدرات الحزب العسكرية بشكل كبير وتراجعت موارده المالية إلى درجة أنه يكافح من أجل الوفاء بالتزاماته تجاه أتباعه».
ونقلت عن بعض السكان أن المؤسسة المالية الرئيسية للحزب، القرض الحسن، جمدت في الأسابيع الأخيرة مدفوعات شيكات التعويضات التي صدرت بالفعل. وأبلغ بعض الأعضاء إلى الصحيفة أنهم لم يتلقوا أي دعم على الإطلاق.
وقال شخص قريب من «حزب الله» لـ «وول ستريت جورنال» إن مذكرة داخلية وزعت على وحداته المقاتلة، تأمر المسلحين الذين لم يكونوا أصلاً من مناطق في جنوب لبنان بإخلاء مواقعهم، وأن الجيش اللبناني سيُسمح له بالسيطرة على المنطقة وفق اتفاق وقف النار.
وبحسب الشخص نفسه فإن «الحزب تكبد خسائر فادحة»، حيث تم تفكيك بعض الوحدات العسكرية بالكامل. لكنه أضاف أن «حزب الله» قام بتجديد صفوفه جزئياً بمقاتلين كانوا متمركزين في سورية، مع إعادة هيكلة بعض الوحدات الجاهزة لأي استئناف للقتال. «لقد تم إضعاف الحزب، لكنه لم يُهزم».