
قاسم يفتح الباب أمام انخراط «الحزب» في التسوية بلبنان
يقف «حزب الله» في لبنان على مشارف الدخول في ولادة سياسية جديدة، بعد أن مضى على تأسيسه أكثر من 4 عقود، وهذا ما ركّز عليه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في خطابه الوداعي لسلفيه الأمينين العامين السابقين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، الذي اتسم بواقعية سياسية غير مسبوقة.
ليس بسبب تغييبه لثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» وعدم الرد على الخروق الإسرائيلية، موكلاً أمره للدولة اللبنانية للتحرك دبلوماسياً لإلزام إسرائيل الانسحاب من الجنوب، وإنما لأنه فتح الباب على مصراعيه، وللمرة الأولى، أمام انخراط الحزب في المرحلة السياسية الجديدة للنهوض بمشروع الدولة والتحاقه بالتسوية السياسية التي يرعاها رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون.
فـ«حزب الله» بلسان أمينه العام، بدأ يشق طريقه نحو الانخراط في مشروع إعادة بناء الدولة، آخذاً بعين الاعتبار انحسار دوره في الإقليم والالتفات للداخل للتكيف مع متطلبات المجتمع المدني ومضيّه قدماً للأمام للبننة الحزب وخفض منسوب عسكرته، شرط أن يلاقيه شركاءه في الوطن في منتصف الطريق بموقف استيعابي بعيداً عن التشفي والكيدية، كي لا نقحم البلد في دورة جديدة من التأزم.
تكيّف مع تحولات المنطقة
وفي قراءة متأنية لخطاب قاسم، يؤكد مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان يستعد للدخول في مرحلة سياسية جديدة بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وبتشكيل حكومة برئاسة نواف سلام تستدعي الخروج من تنظيم الاختلاف مع الحزب، للتوصل إلى قراءة مشتركة تؤسس لهذه المرحلة، وإن كانت تتطلب تضافر الجهود لاستنهاض مشروع الدولة، وهذا ما يستدعي إعطاء قاسم فرصة تسمح للحزب بالتكيف مع التحولات في المنطقة ولبنان بعد أن تحرر الحزب من وظيفته في الإقليم ولم يعد له دور، فهل ينجح في تنعيم مواقف الحزب لتأهيله للالتحاق بالتسوية؟
ويكشف المصدر السياسي بأن التحول في خطاب قاسم جاء تتويجاً للتقييم السياسي الذي أجرته قيادة الحزب وحددت فيه أين أصابت وأين أخطأت في إسنادها لغزة، وطوت هذه المرحلة ومهّدت الطريق للدخول في مرحلة الانخراط في مشروع الدولة، وإن كان المعيار الأساسي، كيف سينخرط فيه، ومدى استعداد حاضنته الشعبية للانفتاح على طروحاته، ويقول إنها تقف حالياً أمام مجموعة من الوقائع فرضها دخوله في حرب مع إسرائيل لا يمكنه تجاوزها.
ويرى أن لا مصلحة للتعاطي مع الحزب بأنه خرج مهزوماً في مواجهته لإسرائيل، أو استضعافه على نحو لا يسمح بإعادة قيام مشروع الدولة سلمياً بدلاً من استيعابه ومد اليد للتعاون معه، آخذين بعين الاعتبار الدور المميز لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي قطع شوطاً على طريق احتضان حليفه، ولو من موقع تمايزه عنه في أكثر من محطة توجه فيها بلومه لحليفه على تفلّت عناصر، قيل إنها غير منضبطة، في تهديدها الاستقرار.
رسالة الحشود
ويلفت المصدر إلى أن الحزب توخى من الحشد غير المسبوق في تشييعه لنصر الله وصفي الدين توجيه رسالة إلى الداخل والخارج على السواء بعدم الرهان على استضعافه الذي يعني من وجهة نظر قاسم أنه استهداف للموقع الشيعي في المعادلة السياسية، وهذا ما قصده بتكرار حديثه عن ثبات تحالفه مع «أمل»، لأن من دونهما لا يمكن التوصل إلى تسوية على طريق النهوض بالبلد من أزماته.
ويؤكد أن عودة الاستقرار للبلد تتطلب من الجميع مد اليد للحزب لمساعدته في النزول من أعلى الشجرة، خصوصاً أن قاسم أطلق أكثر من إشارة يبدي فيها استعداده لإعطاء فرصة لتأمين العبور السلمي للتحول في لبنان بانتخاب عون رئيساً للجمهورية الذي يتعاطى بهدوء وانفتاح إيجابي مع المكون الشيعي، مستحضراً مواقف مؤسس المجلس الشيعي الإمام المغيّب موسى الصدر في هذا المجال، ويقول إن قاسم نسب للحزب الفضل في انتخابه وبتشكيل حكومة سلام.
ويضيف أن قرار الحزب بالانضواء تحت سقف الطائف، وباعتبار لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه لم يكن وليد الصدفة، وينم عن رغبة قاسم بتمرير رسالة إلى الدول العربية بأن ليس لديه أي مشروع سياسي خاص بالبلد غير المشروع الذي أرساه اتفاق الطائف برعاية المملكة العربية السعودية.
حضور إيران
ويتوقف المصدر نفسه أمام مشاركة رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي في التشييع، ويقول إن طهران أرادت تثبيت حضورها في المشهد السياسي، مع أنها حرصت على إضفاء الطابع الرسمي لحضورها. وهذا ما يفسر زيارتهما للرؤساء الثلاثة، ويُستبعد أن يكونا في وارد تحريض الحزب للتمرد على الجهود الرامية لعودة الاستقرار إلى لبنان.
ويؤكد أن حضورهما ينم عن رغبة طهران بتمرير رسالة هادئة إلى اللبنانيين ومن خلالهم للمجتمعين الدولي والعربي، ويأتي في سياق القراءة الإيرانية الإيجابية للواقع المستجد في لبنان على وقع إعادة تركيب السلطة، ويقول إنهما يؤيدان إعطاء فرصة للبلد ليلتقط أنفاسه لإعمار ما دمرته إسرائيل بمساهمة من إيران، ويقول إن قاليباف حمل رسالة إلى عون بوقوف طهران وراء ما تقرره الرئاسات الثلاث في لبنان وتأييدها بعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ما يعني أن لا أبعاد سياسية لكل ما يصدر عن بعض الرؤوس الحامية في الحرس القديم للثورة الإيرانية، ويبقى للاستهلاك الداخلي، ولن يكون له من مفاعيل سياسية على الواقع اللبناني.