لبنان بين رسالة التشييع والرسائل الأميركية

لبنان بين رسالة التشييع والرسائل الأميركية

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
24 شباط 2025

زيارتان متتاليتان خلال ايام قليلة لوفدين من الكونغرس الاميركي للبنان قبيل موعد تشييع الامين العام السابق لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين تحملان رسائل عدة للبنان على مستويات مختلفة . دافع عضوا الكونغرس الاميركي داريل عيسى وروني جاكسون عن المقاربة الاسرائيلية للبقاء في مجموعة نقاط في الجنوب على الحدود اللبنانية الاسرائيلية . قال السناتور عيسى ” ما لم يحصل بعد، وما بحثته مع الرئيس عون وقادة آخرين هذا الأسبوع، هو تدمير المخازن الكبيرة للأسلحة، فكل يوم هناك انفجارات جراء تدمير أسلحة واكتشاف أنفاق جديدة مليئة بالأسلحة، لذلك سيكون هناك وقت انتقالي أطول للتخلص من هذه منها “. اسرائيل التي ابقت على وجودها في لبنان كمطرقة لا ترحم فيما ان رسائلها تتواصل وكان اخرها قبل اقل من ساعات على موعد التشييع فاعلنت ان جيشها “أغار على موقع عسكري احتوى على قذائف صاروخية ووسائل قتالية داخل لبنان، بعد أن تم رصد أنشطة لـلحزب”، كما قال المتحدث باسمه مضيفا ” أن الجيش هاجم أيضاً منصات صاروخية عدة للحزب في جنوب لبنان “.

كما قصفت اسرائيل السبت ما قالت انه “محاور نقل على الحدود بين سوريا ولبنان يحاول حزب الله من خلالها نقل وسائل قتالية إلى لبنان”. وعلى رغم الاتفاق على انسحابها في 18 شباط ترصد إسرائيل رسائل الحزب وقدراته والتي يحرص على توجيهها ليس فقط عبر تحويله مناسبة التشييع الى استفتاء شعبي بالنسبة اليه في الداخل والامتداد الاقليمي له وتاليا تظهير استمرار القدرة الايرانية على توظيف لبنان ورقة اساسية تبقيها على صلة بشعاراتها ومنطقها ، وهي مطرقة اخرى تواجه الدولة وتتحدى سيطرتها على كل اراضيها ولا تعطيها فرصة للنهوض مجددا.

هذا على الاقل التحدي الذي رسمته مناسبة التشييع والذي يراد منها تظهير اكثر من رسالة في اتجاهات متعددة تتجاوز وداع امين عام ” تاريخي” بالنسبة الى الحزب وايران ، قد تتخذ منها اسرائيل ذرائع للبقاء مدة اطول في النقاط التي تحتلها في جنوب لبنان. هذه الرسائل تتفاوت مروحتها بين رسم خط بياني فاصل بين مرحلة عسكرية سطع فيها نجم الحزب خلال عقود نجح في خلالها في توسيع نفوذ ايران الى شاطىء المتوسط ومرحلة جديدة تحتم احترام الحزب لتوقيعه على بنودها في اتفاق وقف النار الذي فاوض عليه عبر حليفه الرئيس نبيه بري وتنفيذ القرار 1701 كاملا وما يتطلبه ذلك ان ينهي الجانب العسكري منه وينتقل الى ان يكون حزبا سياسيا فحسب. فمن حيث بنود اتفاق وقف النار، واعتماد الدولة التي يشارك الحزب بالحكومة الجديدة التي اخذت على عاتقها السبل الديبلوماسية في مواجهة اسرائيل وتحرير النقاط الخمس المتبقية ، فان السؤال الكبير حول جدوى الاستمرار في الحصول على السلاح، واحتمال بقائه عنصرا من عناصر التهديد للداخل فيما انتفت او ضعفت جدا فاعلية استخدامه ضد اسرائيل ان لم يكن استدراجه المزيد من توريط لبنان وتكبيده الخسائر الجسيمة.

ما تم التوقف عنده في موازاة التشييع او في مواكبته ثلاثة امور : حرص اسرائيل على تظهير استمرار رسائلها التهديدية للحزب وعدم استعدادها للتهاون في هذا الامر . تظهير رئيس الجمهورية جوزف عون رسالة واضحة امام الوفد الايراني الذي شارك في التشييع بعدما زاره في قصر بعبدا وخلاصته ان ” لبنان تعب من حروب الآخرين، ووحدة اللبنانيين هي أفضل مواجهة لأي خسارة أو عدوان” . والرسالة الثالثة في نهاية كلام الامين العام للحزب نعيم قاسم غير ذلك المكرر عن الحرب وتقويم الحزب لها ومستلزمات مراعاة بيئته وفيها ” سنشارك في بناء الدولة القويّة وسنشارك بنهضتها تحت سقف الطائف وعلى الدولة إعادة الإعمار وإخراج العدو وإقرار خطّة الإنقاذ وحريصون على بناء الدولة وعلى الوحدة الوطنيّة ونؤمن بدور الجيش الكبير بالدفاع عن لبنان وأقول للرؤوس الحامية أنه لا رابح ولا خاسر في الداخل اللبناني. “. فهذه الخلاصة من حيث المبدأ مهمة في انتقال حتمي للحزب تطوي صفحة مع محطة توديعه امينه العام السابق ، ولكن “المقاومة ” لن تبقى اذا صحت المشاركة في بناء الدولة لان لا ازدواجية محتملة بين الاثنين ولا قبول محتملا لها لا في الداخل والاهم في الخارج الذي بات مؤثرا جدا في مرحلة اعطاء الاوكسجين للبنان في المرحلة المقبلة.

فالواقعية تقضي باعتراف الجميع وفي مقدمهم الحزب اولا ان خطابه و”ممانعته ” سيبقيان ذريعة لاسرائيل للاستمرار في استرهانها لبنان فيما ان خياراته ضيقة و”المقاومة ” ليست منها حتى لو قال الحزب باستمرارها. وثانيا الاحاطة الخارجية للبنان في مرحلة ما بعد الحرب والتي ادت الى الدفع بقوة في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة لم تحظ بعد بالثقة النيابية التي حددت ما بعد موعد تشييع نصرالله وصفي الدين وعرض القوة الذي يظهره الحزب للتاكيد على انه لا يزال يشكل معادلة صعبة في لبنان وانه لم ينته بفعل اضعافه من اسرائيل بدليل مساومته على انتخاب الرئيس جوزف عون وكذلك بالنسبة الى الحكومة.

هذه الاحاطة الخارجية ستبقى متوقفة رهنا بشروط واضحة. وهذه الشروط معروفة تبدأ من التزام لبنان تنفيذ القرار 1701 وفق ما كان اوضح اعضاء الكونغرس الاميركي الزائرين للبنان وصولا الى حتمية الاصلاح المؤسساتي والسياسي بحيث يبدو مسار نهوض الدولة صعبا جدا ليس قياسا على هذه الشروط فحسب، بل في تبادل اسرائيل والولايات المتحدة من جهة وايران من جهة اخرى الشروط المضادة في لبنان ، لو استمرت ، وانعكاس ذلك على قدرات الدولة واعادة بناء سلطتها.