“حزب الله” يُشهر “ترسانته الشعبية”

“حزب الله” يُشهر “ترسانته الشعبية”

المصدر: النهار
24 شباط 2025

مع أن التقديرات السابقة ليوم تشييع الأمينين العامين الراحلين لـ”حزب الله” السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين كانت تتوقع أعداداً كبيرة للمشاركين من أنصار الحزب، فإن الحشود التي تدفقت على مدينة كميل شمعون الرياضية ومحيطها اتّسمت بضخامة مشهودة عكست بلوغ التعبئة الحزبية والشعبية للحزب ذروة غير مسبوقة في هذا الحدث المفصلي من مصير الحزب.

ذلك أن تشييع السيد نصرالله أريد له أولاً أن يتوّج شهادة الزعيم الأبرز لـ”حزب الله” الذي سقط في أعتى حرب دارت بين الحزب وإسرائيل بفعل اندفاع نصرالله نحو مواجهة “وحدة الساحات”، ولذا برزت مشاركة الوفد الإيراني كأكبر وفد أجنبي بين الوفود الخارجية التي جاءت خصوصاً من دول “محور الممانعة” وبالأخص إيران والعراق واليمن.

كما أن الحشود الضخمة (ذهبت تقديرات إلى الحديث عن مئات الألوف) عكست الرسالة الأساسية التي برزت من خلال التشييع وأراد أن يطلقها الحزب نحو إسرائيل كما نحو الداخل اللبناني والخارج العربي والدولي، وهي أن الحزب أخرج “ترسانته البشرية” الثقيلة رداً على المعطيات والانطباعات الجارفة منذ اغتيال قياداته وكوادره وتكشّف الخسائر العسكرية الجسيمة والقاسية التي أصابته ناهيك عن انقطاع الجسر الحيوي الرئيسي الذي كان يشكل شريان تسليحه ومدّه بالقدرات العسكرية عبر سوريا. لذا تجاوزت الحشود المناسبة بذاتها على أهميتها الكبيرة بالنسبة إلى مكانة نصرالله وصفي الدين في صفوف المحازبين والأنصار، إلى الرد الضمني العابر للرسائل بمعنى تعويض الحزب ما مني به معنوياً وعسكرياً وبشرياً والإبقاء على صورة القوة النابعة من قوته الشعبية.

بيد أنه من باب التدقيق في وقائع التشييع برزت مفارقتان لافتتان، تمثلت أولاهما في الموقف المرن المتقدم للأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم من الانضواء ضمن ورشة إعادة بناء الدولة والتزام الطائف وهو موقف يكتسب دلالات بارزة ولكنه انطوى على تناقضات عندما أدرج “الحق في المقاومة” إلى جانب التزام الدولة. كما توقف المراقبون عند موقف لافت لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون أمام الوفد الإيراني اعتبر بمثابة رسالة سيادية تتوج التعامل بندية مع إيران.

مراسم تشييع السيدين نصرالله وصفي الدين في المدينة الرياضية، مرت بحد أقصى من الترتيبات الأمنية التي ضمنت تدفق الحشود من دون حوادث أو اشكالات تذكر. وتقدم الحضور الرسمي والسياسي والديبلوماسي رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته الرسمية والحركية كما بصفته ممثلاً لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون، ووزير العمل محمد حيدر ممثلاً رئيس الحكومة نواف سلام. وكان الوفد الإيراني أكبر الوفود الخارجية إذ ضم وزير الخارجية عباس عراقجي ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، بالإضافة إلى عائلات الرئيس الإيراني السابق ابراهيم رئيسي، ووزير الخارجية الإيراني السابق حسين عبد اللهيان وقائد قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ومستشار الرئيس الإيراني محسن رضائي وما  يقارب الأربعين نائباً.

 

“المقاومة” والطائف 

وفي كلمته خلال حفل التشييع وبعد إعلان “المبايعة” لخط السيد نصرالله اعتبر الشيخ نعيم قاسم أن “الموافقة على وقف النار في لحظة مناسبة كانت نقطة قوة”، وتابع: “أصبحنا الآن في مرحلة جديدة تختلف أدواتها وكيفية التعامل معها”، لافتًا إلى أنَّ “أبرز خطوة اتخذناها أن تتحمّل الدولة اللبنانية مسؤولياتها”. وشدّد على أنَّ “إسرائيل لا تستطيع أن تستمرّ في احتلالها وعدوانها”، مؤكدًا أنَّ “المقاومة موجودة وقوية عدداً وعدّة والمقاومة باقية ومستمرة، المقاومة لم تنتهِ بل مستمرة في جهوزيتها وهي إيمان وحقّ ولا يمكن لأحد أن يسلبنا هذا الحقّ،  وأعلن أنّ “الحزب سيواصل العمل المقاوم في التوقيت الذي يراه مناسبًا”.

وقال إن “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ونحن من أبنائه”.  وشدد قاسم على أنّ “حزب الله” كان جزءاً أساسياً في تحقيق الوفاق الوطني، من خلال دعم انتخاب رئيس جديد للبنان وتشكيل حكومة جديدة، مؤكدًا أنّ “إعادة الإعمار مسؤولية أساسية للدولة اللبنانية، إلا أن الحزب سيساهم في دعمها بهذا الملف”. واشار إلى أنّ “حزب الله ملتزم بتحالفه مع حركة أمل، ويؤمن بدور الجيش اللبناني في الدفاع عن السيادة الوطنية، مشددًا على أن الحزب سيكون شريكًا في بناء الدولة ضمن إطار اتفاق الطائف”. ولفت إلى أنَّ حزب الله سيتابع تحرّك الدولة لطرد الاحتلال دبلوماسيًا”.

وقبيل حضور الوفد الإيراني لمراسم التشييع استقبل رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، والسفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني مع وفد مرافق في حضور وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي. ونقل قاليباف إلى الرئيس عون “تحيات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ودعوته له للقيام بزيارة رسمية إلى طهران”. وشدّد على “وحدة الأراضي اللبنانية وسلامتها وسيادة الدولة عليها”، مبدياً “استعداد بلاده للمشاركة مع دول عربية وإسلامية في إعادة اعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي على لبنان”.

وفي كلمته أمام الوفد قال الرئيس عون: “لقد تعب لبنان من حروب الآخرين على أرضه، وأوافقكم الرأي بعدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأفضل مواجهة لأي خسارة أو عدوان، هي وحدة اللبنانيين. ونشارككم في ما أشار اليه الدستور الإيراني في مادته التاسعة التي تؤكد أن “حرية البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها، هي أمور غير قابلة للتجزئة”، كما تؤكد على أن “تتحمل الحكومة وجميع افراد الشعب مسؤولية المحافظة عليها، ولا يحق لأي فرد أو مجموعة أو أي مسؤول أن يلحق أدنى ضرر بالاستقلال السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو العسكري للبلاد، أو أن ينال من وحدة أراضي البلاد بحجة ممارسة الحرية”. وزار الوفد الإيراني مساءً رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة ثم رئيس الحكومة نواف سلام في السرايا.

تحليق وغارات 

ولعل المفارقة العسكرية الحربية التي واكبت مراسم التشييع تمثّلت في عدم ترك إسرائيل الحدث يمر من دون إطلاق رسائلها الحربية في اتجاه الحزب ولبنان عموماً. فقد تعمّد الجيش الإسرائيلي إطلاق سرب من مقاتلاته على ارتفاع منخفض جداً فوق المدينة الرياضية وبيروت في لحظة التشييع. وكشف مسؤول إسرائيلي أن عدداً من المقاتلات التي حلّقت في أجواء بيروت أمس كانت شاركت في اغتيال الأمين العام السابق لـ”حزب الله” حسن نصر الله.

وبدوره أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن “الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تحلق فوق بيروت خلال جنازة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ترسل رسالة واضحة وهي من يهدد ويهاجم إسرائيل سيكون مصيره الموت”. كما أعلن الجيش الإسرائيلي أن العالم صار “مكاناً أفضل”، تزامناً مع تشييع نصرالله الذي اغتيل في ضربة إسرائيلية هائلة في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 أيلول الماضي.

وشنت الطائرات الإسرائيلية سلسلة غارات جوية جنوباً وبقاعاً، فشنت غارة على بلدة بريصا في جرود الهرمل، من دون ورود معلومات عن إصابات. كما شنّ الطيران الحربي الاسرائيلي غارة على خراج بلدة بوداي بين محلة الجداوي وتلة الحفير غرب بعلبك. وجنوباً استهدفت غارة إسرائيلية منطقة الأحمدية وأخرى على منطقة وادي العزية جنوب صور، بالإضافة إلى غارتين عنيفتين على تبنا قرب البيسارية وغارتين على وادي زبقين وغارة على جيل الريحان في منطقة جزين.

وفي تصريحات أدلى بها أمس أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن قواته ستظل متمركزة في مواقع لبنانية مشرفة على عدد من المناطق الإسرائيلية، قائلًا: “ننتظر من الجيش والحكومة في لبنان تنفيذ التزاماتهم بموجب الاتفاق”.