
خاص- لمحات مضيئة في التشييع المزدَوج
مرّ التشييع المزدوج للأمينين العامين السابقين لـ”حزب الله” السيّدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين على خير من دون إشكالات أو أحداث أمنية تذكر. هكذا طويت صفحة “أيقونة المقاومة” وبدأ الحزب بالتفكير جديًا باليوم التالي، وإن بدا في مواقف عديدة وكأنه يواصل النكران وادعاء النصر.
إلا أن يوم التشييع الطويل، الذي سبقته تسريبات وتحليلات تتخوف من حصول “أمر ما” خلال المراسم او بعدها، ثبت عدم صحتها. كما شهد هذا اليوم محطات مضيئة تبشّر بالخير وتوحي بان “حزب الله” قد استخلص الدروس من “حرب الاسناد” وما أعقبها من تغيرات استراتيجية في لبنان والمنطقة، وأنه بدأ بالفعل “التكويعة” المطلوبة، وإن بوتيرة بطيئة لا تتوافق مع الضغط الدولي على السلطة اللبنانية.
من المحطات المضيئة في التشييع لا بد من الإشارة الى النقاط التالية:
-تولي الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية مهمة أمن التشييع بالكامل، بدءًا من الاستعدادات، مرورًا بيوم التشييع الطويل، وصولًا الى مغادرة المشيّعين الضريح الذي سيتحول لاحقًا بالتأكيد الى مزار ديني لشيعة لبنان والعالم.
-اقتصار المشاركة الرسمية، السياسية والأمنية، في التشييع على الحد الأدنى الممكن، ما نزع عن المناسبة الصفة الوطنية وأضفى عليها الصفة الحزبية البحتة، بغض النظر عن أعداد المشيّعين وتعدد مشاربهم.
-بدء مراسم التشييع بالنشيد الوطني اللبناني، وهو سابقة لم يشهدها لبنان في احتفالات “حزب الله”. هذا الأمر يحمل مؤشرات إيجابية، وإن كانت رمزية، ويدل على بداية عودة الحزب ولو بالشكل الى لبنانيته.
-في شأن مرتبط، وضع المنظمون علمين كبيرين، العلم اللبناني وعلم “حزب الله”، على المنصة الرئيسية للتشييع، كما شوهد العلم اللبناني مرفوعًا من قبل بعض المشيّعين ولو بنسبة قليلة، وهو أمر لم يكن مألوفًا ايضا في احتفالات الحزب.
-مشاركة مقاتلين من فرقة الرضوان في الحزب في التشييع، وقد واكبوا العربة التي تحمل الجثمانين من مدينة كميل شمعون الرياضية الى ضريح السيد نصرالله على طريق المطار، من دون اي ظهور مسلح لعناصر الفرقة أو من اي فرقة اخرى شاركت في التشييع، فكانت المناسبة، أقله في الظاهر، مدنيّة بامتياز.
-الاستعاضة عن العروض العسكرية التي كان يجريها “حزب الله” في مناسباته، بمسيرات منظمة من كشافة الحزب واكبت الجثمان الى مثواه الأخير.
-تحويل شاحنة عسكرية كبيرة للحزب كانت معدّة لحمل صاروخ بعيد المدى الى شاحنة مدنيّة نقلت جثماني نصرالله وصفي الدين، وهو مؤشر يحمل بعدَين مختلفين: القول ان نصرالله قائد عسكري فتم نقله على عربة عسكرية، او الايحاء بان “حزب الله” قرّر الانتقال تدريجيًا من الحالة العسكرية الى الحالة المدنية، فكانت الشاحنة المستخدمة في التشييع مثالًا على ذلك.
-إقرار “حزب الله”، من خلال كلمة أمينه العام الشيخ نعيم قاسم خلال التشييع، بتسليم القرار للدولة اللبنانية لجهة إزالة الاحتلال الإسرائيلي من النقاط المتبقية، فضلا عن اعادة الاسرى اللبنانيين لدى اسرائيل. كما جدّد قاسم التأكيد على مسؤولية الدولة عن عملية إعادة الإعمار، فكان موقفه بمثابة الاعلان عن عجز “حزب الله” على تحقيق هذه الأهداف، وإن لم يخلُ كلامه من بعض التهديد الخجول اذا لم تنجح الدولة اللبنانية في تحقيق هذه الأهداف.
-تجديد قاسم التأكيد على انخراط “حزب الله” في مشروع بناء الدولة تحت سقف اتفاق الطائف، وهو ما يفتح أيضا للحزب طريق العودة من صراع المحاور الى الداخل اللبناني ضمن الأطر السياسية التي يكفلها الدستور لجميع المكونات والاحزاب اللبنانية.
ما حصل خلال يوم الأحد الطويل خالف اذًا جميع التوقعات، وكانت إيجابياته أكبر بكثير من السلبيات التي كانت مفترضة. فقد شيّع “حزب الله” مع نصرالله وصفي الدين مرحلة كاملة من تاريخه النضالي، ومضى الى فتح صفحة جديدة تحدّ من خسائره وتسمح له بالمحافظة على وجوده، وإن كان ضمنًا يلعب على الوقت في انتظار ان تسمح له الظروف الإقليمية والدولية بإعادة بناء قوّته العسكرية وسطوته الداخلية التي أمّنت له السيطرة على الدولة لأكثر من ثلاثة عقود.