
خاص – قصّة المطار: كيف سيخرج من قبضة “الحزب”؟
كان بالفعل مشهداً سورّيالياً، حينما كانت طائرات “الميدل إيست” تقلع وتهبط من وفي مطار بيروت، بينما الطائرات الحربية الإسرائيلية تشنّ أعنف الغارات في الضاحية على بعد مئات الأمتار فقط من المدرج. وطوال الحرب الأخيرة، ظلّ المطار يعمل عبر رحلات الشركة الوطنية، على رغم الصواريخ الضخمة التي كانت تنهمر في المحيط وتدكّ مباني بأكملها.
ومن أجل تحييد المطار، تمّ تكليف الجيش اللبناني منذ تشرين الأوّل من العام الفائت، الإشراف على عمليّات الإقلاع والهبوط، وعمليّات التفتيش، تجنّباً لتعريض هذا المرفق الجوّي الوحيد الذي يربط لبنان بالعالم للقصف الإسرائيلي. وتمّت حماية المطار بغطاء دولي، فيما أصبح عمليّاً تحت الرقابة الإسرائيلية، التي دخلت على موجة برج المراقبة، وكانت تطلق التحذيرات من هبوط أيّ طائرة إيرانية.
وبعد دخول اتّفاق وقف النار حيّز التطبيق، هدّدت إسرائيل مجدّداً بقصف المطار، عندما حذّرت في كانون الثاني الماضي من أنّ طائرة إيرانية تابعة لشركة “ماهان إير” تنقل أموالاً إلى “الحزب”. وقامت سلطات المطار بتفتيش الطائرة، وعمدت حتّى إلى تفتيش الحقيبة الدبلوماسية لدبلوماسيّ إيرانيّ كان على متنها.
وحسب مسؤولين إسرائيليين ووسائل إعلام غربية، تحاول طهران، بعد إقفال الممرّات البريّة عبر سوريا، إدخال الأموال إلى “الحزب” على متن رحلات مدنية. وقد حذّر الناطق العسكري الإسرائيلي من أنّ فيلق القدس و”حزب الله” يستعملان في الأسابيع الأخيرة مطار بيروت لتهريب أموال إلى “الحزب”، وقد نجحت بعض المحاولات، حسب تقديره. لذلك وصلت تحذيرات مباشرة إلى السلطات اللبنانية من مصدر أميركي، تفيد بأنّ إسرائيل ستقصف المطار، في حال سُمح لإحدى رحلات “ماهان إير” بالهبوط. وقد سارع وزير الأشغال الجديد بالطلب إلى سلطات المطار بإبلاغ الشركة امتناع المطار عن استقبال الطائرة المعنيّة. كما منعت طائرة إيرانية ثانية من التوجه إلى لبنان الجمعة.
وهكذا، أصبح الطيران الإيراني ممنوعاً عمليّاً من استعمال مطار بيروت. كما ردّت طهران بمنع شركة طيران “الشرق الأوسط” من تسيير رحلات من وإلى المطارات الإيرانية.
فكيف ستتعامل الحكومة اللبنانية مع هذا الملفّ، ومع ما أفرزه من احتجاجات وأعمال شغب على طريق المطار، إضافة إلى الاعتداء على السيّارات وعلى سيّارة قوّات اليونيفيل؟
ليس توجيه الاتّهامات لـ “حزب الله” بالهيمنة على المطار بالأمر الجديد. وتقارير الصحف الغربية أشارت مرّات عدّة إلى تحويل المطار لمركز لتهريب المخدّرات والسلاح والمقاتلين. وكان أحد قراري مجلس الوزراء المتعلّق بالمطار في العام 2008 السبب في اندلاع أحداث 7 أيّار، أو ما عُرف بالقمصان السود. وكانت الحكومة حينذاك برئاسة فؤاد السنيورة قد أصدرت قرارين، يتعلّق الأوّل بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة للحزب، والثاني ينصّ على إقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير. وكان فريق 14 آذار يتّهم “الحزب” بمراقبة المطار وتحرّكات الوافدين والمسافرين، وتلقّي شحنات من الأسلحة عبر هذا المرفق.
ولكن، بعد استعمال “الحزب” السلاح في الداخل، وُلد اتّفاق الدوحة الذي كرّس الثلث المعطّل، وتمّ على إثره انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. وبدأت رحلة إسكات من تبقّى من 14 آذار، وعلى رأسهم وليد جنبلاط، الذي تحوّل من المعارضة إلى التموضع الوسطي.
واليوم، وبعد سقوط نظام بشّار الأسد، تحاول طهران البحث عن طرق جديدة لإيصال الأموال إلى “حزب الله”، من أجل الإبقاء على وجوده، ريثما تحين فرصة جديدة للتعافي. وكانت إيران تمتلك ممرّاً لوجستياً عبر البرّ، قامت إسرائيل بضربه مرّات عدة في السنوات الماضية، وكثّفت غاراتها خلال الحرب الأخيرة. وحسب تقرير لموقع BBC كانت طهران تعتمد في شكل أساسي على مطار دمشق، لإيصال الإمدادات والأسلحة، التي يتمّ نقلها برّاً إلى لبنان. وبعدما ضربت إسرائيل مطاري دمشق وحلب، جرى استخدام مطار اللاذقية، وإن في شكل محدود. ولذلك قامت إسرائيل بالإغارة على مستودع قرب قاعدة حميميم الروسية في 3 تشرين الأوّل الماضي.
كما أشار التقرير إلى أنّ نظام الأسد كان يزوّد “الحزب” بالأسلحة الروسية التي كان يظهر عليها ختم “وكالة تصدير الذخيرة الروسية”، وينقلها براً إلى لبنان. وقامت إسرائيل بتدمير 80% من ترسانة الأسلحة السورية بعد سقوط النظام.
وأوردت صحيفة تايمز البريطانية أن إيران تدرس إمكان تهريب أسلحة إلى “الحزب” عبر رحلات جوية مباشرة بعد سقوط نظام الأسد. ولكن تحليلات ترى أنّ إمكانات “الحزب” لإعادة التسلّح محدودة، وخطوة نقل أسلحة عن طريق المطار ستكون محفوفة بالمخاطر.
في أيّ حال، تبدو الدولة حازمة في التعامل مع أيّ إخلال بالأمن. وهذا التصرّف من جانب الحكومة، التي بدأت تثبّت سلطتها، جديد على اللبنانيين، بعد سنين من القمع. ولكن، مع الوقت، سيعتاد اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، أنّ القرار هو للدولة وحدها دون سواها، وهي تعرف مصالحها ومصالح مواطنيها.