من لبنان للهند: التعليم العالي بمهبّ فضيحة أبحاث الدكتوراه

من لبنان للهند: التعليم العالي بمهبّ فضيحة أبحاث الدكتوراه

الكاتب: وليد حسين | المصدر: المدن
15 شباط 2025
لعل قصة طالب الدكتوراه م.ك.د الذي ناقش أطروحته يوم أمس في جامعة بيروت العربية تكون عبرة لمدى فداحة تطبيق المرسوم 10068، الذي يحدد شروط نشر الأبحاث للاعتراف بمعادلة شهادته في وزارة التربية. فما حصل لا يمكن وصفه إلا بالفضيحة الكبرى من ناحية  المعايير المعتمدة لقبول أو رفض الأبحاث، التي على الطالب نشرها قبل مناقشة أطروحة الدكتوراه. فقد تبين أن المعايير تقوم ليس بناء على مضمون البحث وصرامته العلمية، بل على شكل وطريقة النشر.
البحث عن النشر في الهند
فرض تطبيق المرسوم على الجامعات الخاصة إلزام الطالب بنشر بحثين كباحث أول في مجلتين محكمتين وموثقتين في قاعدة بيانات موثوقة ومعتبرة (مثل سكوبس وغيرها). وبما أن لا مجلة لبنانية موثقة في سكوبوس Scopus (بعض الجامعات بدأت العمل على توثيق مجلاتها في سكوبس مؤخراً) كان خيار الطلاب البحث عن مجلات هندية وغيرها للنشر فيها بغية الحصول على معادلة الشهادة في وزارة التربية. لكن ما حصل في قصة هذا الطالب يثبت أن تطبيق القانون من دون تأمين بدائل للطلاب، له تداعيات فادحة، يفترض العمل عليها لتفادي مخاطرها على مستقبل التعليم العالي.

بحسب المستندات التي حصلت عليها “المدن”، وبعد التدقيق بالمجلة التي نشر فيها الطالب بحثين، يتبين أن لا قيمة لتطبيق المرسوم في رفع مستوى التعليم العالي. فالغاية من المرسوم هي وضع حدود وضوابط للجامعات الخاصة في كيفية تخريج طلاب دكتوراه من خلال نشر أبحاث لها قيمة علمية وتكون مرجعاً في قواعد البيانات العالمية المرموقة. بينما في التطبيق العملي يتبين أن لا قيمة للمرسوم طالما أن الطالب نشر في مجلة منتحلة صفة. أما طريقة النشر ففضيحة بحد ذاتها أيضاً.

فضيحة نشر الأبحاث
وفي التفاصيل، بعد فرض الجامعة على الطلاب نشر بحثين في مجلات محكّمة وموثقة، التزاماً بالمرسوم، استدل الطالب على مجلة (library progress international) الهندية، التي وافقت سريعاً على نشر بحثين لقاء مبلغ مالي. وبحسب موقع المجلّة يتبين أن البحثين نشرا في عدد 44 (تموز-كانون أول) الإلكتروني، والصادر بتاريخ 20 كانون الأول 2024. لكن الطالب قدم إلى الجامعة مستنداً تاريخه يعود إلى 22 كانون الثاني المنصرم حصل عليه من المجلة يثبت أنها مصنفة سكوبوس، وأنها قبلت نشر الأبحاث. هذا رغم أن البحث نشر في العدد الآنف الذكر. ما يعني أن المجلّة تنشر كيفما اتفق وبالتاريخ الذي يطلب الطالب. غير ذلك قبول النشر في ذاك التاريخ يفرض النشر في الأعداد اللاحقة للعام الحالي.

بالمختصر، نشر الطالب البحثين وهما عبارة عن خمسة صفحات لكل واحد منهما (من ضمنها الفهرست بصفحة والمختصر والهوامش بصفحة) وباللغة العربية. علماً أن المجلة تصدر باللغة الإنكليزية. وقد وافقت المجلة على نشر البحثين بمدة 24 ساعة، في خين أن قبول النشر في أي مجلة ولو غير المحكّمة يستغرق ما لا يقلّ عن أسبوعين. أما المجلات المحكّمة، فيأخذ الرد بالقبول أو الرفض مدة بين ثلاثة وستة أشهر. إذ يصار إلى عرض البحث على اللجنة العلمية لدراسته وقبوله أو رفضه. لكن الفضيحة تكمن أنه بمراجعة موقع المجلّة، يتبن أنها تنتحل صفة التصنيف سكوبوس. فهي تضع على صفحتها الأولى شعار سكوبوس لإيهام الطلاب والناشرين بالتصنيف. لكن بالبحث بقاعدة بيانات سكوبوس يتبين أنه نزع عنها تصنيف سكوبوبس منذ العام 2023. وتظهر البيانات أن المجلة حازت على صفر استشهادات في السنوات التي سبقت نزع عنها اعتماد سكوبوس.

التربية والمعايير الشكلية
قدم الطالب الوثيقة إلى الجامعة فتحققت من الأمر واكتشف أنها غير مصنفة سكوبوس فرفضت الأبحاث. لكن الطالب عاد وقدم مستنداً جديداً يثبت أن المجلة معتمدة في قاعدة بيانات EBSCO، فقبلت الجامعة البحثين وحددت موعداً لمناقشة أطروحة الدكتوراه. ويوم أمس ناقش الطالب الأطروحة، وكانت اللجنة العلمية التي ضمت أساتذة من الجامعة اللبنانية صارمة وطلبت منه تصحيح الأخطاء اللغوية ومراجعة بعض التفاصيل المنهجية وتقسيم المحاور (قبلت اللجنة الأطروحة). لكن الأساس يبقى أن الجامعة قبلت المناقشة بناء على البحثين آنفي الذكر، فيما ترفض مناقشة طلاب آخرين نشروا أبحاثاً من عشرات الصفحات في مجلات لبنانية. وهي، ورغم أنها إما غير محكّمة أو غير موثّقة، أهم بعشرات المرات من المجلة الهندية. أقله لا تقبل أبحاثاً بصفحات معدودة كما فعلت المجلّة الهندية.

وبما أن قاعدة بيانات EBSCO معتمدة في وزارة التربية ضمن بنوك الفهرسة، عادت وقبلت الجامعة البحثين. بمعنى آخر، تم التعاطي مع الأبحاث في الشكل لا في المضمون. فنشر أي مجلّة أبحاثاً بهذه الطريقة-المهزلة، وقبولها تحت أي مسمى، يفرض مراجعة المعايير والفائدة من تطبيق المرسوم 10068. ويسأل أحد الطلاب: أليس الأفضل السماح للطلاب النشر في أي مجلة لبنانية أو عربية محكّمة، على النشر في تلك المجلات التي تنشر الأبحاث على شاكلة ما قامت به مع زميلهم؟ وهل أن حصول تلك المجلّة الهندية على اعتماد EBSCO يجعلها موثوقة، في وقت تنشر الأبحاث بالشكل الذي حصل؟ وهذا بمعزل عن أن قاعدة بيانات EBSCO تختلف جذرياً عن سكوبوس لناحية البحث العلمي. فالأولى مجرد قاعدة تجميع بيانات، فيما الثانية تدخل في تصنيف المجلّات ومراقبة الاستشهادات وتأثير البحوث، وتراجع سنوياً المجلّات ومدى التزامها بالمعايير تحت طائلة نزع الاعتماد عنها.

وما حاصل أن تطبيق المرسوم فتح الباب على تجارة النشر في المجلّات الهندية، وهناك طلاب رفضت أبحاثهم في وزارة التربية بعدما تبين أن المجلات غير موثقة في سكوبوس. ولم يقتصر الأمر على هرولة عشرات الطلاب إلى المجلّات الهندية (الأمر الذي يبدو أن هناك تجارة رائجة في هذا المجال)، بل إن إحدى الجامعات المرموقة فتحت خطوطاً مع الهند للنشر، بغية تسريع تخريج طلابها. بطبيعة الحال، المشكلة ليست في المرسوم كنص يراد منه ضبط برامج الدكتوراه في الجامعات الخاصة، بل في المعايير التي توضع  حول كيفية تطبيقه. فبعد انفضاح تصنيف تلك المجلة في قاعدة البيانات المقبولة من وزارة التربية، حري بوزيرة التربية الجديدة ريما كرامي إعادة النظر بالمعايير، طالما أن أي جريدة وليس مجلّة علمية لديها معايير أفضل من تلك المجلّة الهندية ومثيلاتها.