
السطوة العسكرية انتهت حكومة الاستقلال تأخّرت 20 عاماً: لا عودة إلى الوراء
يستذكر لبنان اليوم زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط. 20 عاماً مرّت، تطوّرات كبيرة حصلت، وانفجار 14 شباط، فجّر ثورة في 14 آذار كادت تصبح من الماضي، وحلم بناء الدولة كاد يسقط لو لم تحصل المعجزة.
عقدان من الزمن مرّا على جريمة العصر… الحلم يلامس الحقيقة في 2025. سقط القاتل ولبنان في رحلة العودة إلى أهله، والمتهمون باغتيال الرئيس الحريري أصبحوا تحت التراب أو هاربين في أصقاع الأرض.
لم تستطع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحقيق العدالة، أصدرت الأحكام، تدخّلت العدالة الإلهية لتنفّذ الحكم على من اعتبروا من القديسين. المتهم من المحكمة الدولية سليم عيّاش قُتل، والقيادة في سوريا ولبنان التي خطّطت للاغتيال سقطت، أما إيران فتهتزّ حالياً على وقع التهديدات ولا يعرف متى تقع.
كان اغتيال الحريري لحظة مأسوية، نتجت عنه وحدة وطنية ساهمت في طرد الاحتلال السوري، لكن “حزب الله” ورث النظام السوري، فوقع لبنان تحت النفوذ الإيراني بعدما تحرّر من السوري.
كل تلك التغيّرات انعكست في تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون برئاسة نواف سلام. عادت موازين القوى إلى سابق عهدها، سقطت سطوة السلاح غير الشرعي بعد انهزام محور “الممانعة”، وتألّفت حكومة جديدة.
بين حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى التي أطلق عليها حكومة الاستقلال الثاني، والحكومة الأولى في عهد عون فرق كبير. تألّفت حكومة السنيورة والنظام السوري موجود، بينما هذه الحكومة متحرّرة من بطش النظام. أبصرت حكومة السنيورة النور و “حزب اللّه” يملك السلاح النوعيّ ويتحكم باللعبة الداخلية، أمّا اليوم فقد سقط السلاح بعد الحرب الأخيرة.
ولدت حكومة السنيورة والأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله تولّى مهمة المرشد الأعلى للجمهورية، بينما تشكّلت حكومة سلام بعد اغتيال نصرالله وقيادات “الحزب”.
عند تأليف حكومة السنيورة كان الوعي الشيعي المدعوم من إيران في أوجه، بينما البيئة الحاضنة لـ “الحزب” حالياً في أسوأ أيامها، بعد زجّها في أتون الحرب وتركها وحيدة.
شهد تأليف حكومة السنيورة على توازن بين محور “الاعتدال العربي” الذي كانت تقوده السعودية ومصر، وبين محور “الممانعة” بقيادة إيران وسوريا. اليوم انهار محور “الممانعة” ولم يعد موجوداً والنظام الإيراني يعيش آخر أيامه قبل السقوط الكبير المنتظر، ولم يعد قادراً على تأمين التمويل والدعم. يضاف إلى ذلك ما حصل في سوريا، من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد واستلام الرئيس أحمد الشرع القيادة السورية وقطع خط الإمداد بين طهران وبيروت.
لا يمكن التماس التغيرات الحاصلة، ومحو 54 عاماً من بطش النظام السوري و43 عاماً من موبقات النظام الإيراني والثورة الإسلامية في إيران بأيام، فرحلة التغيير طويلة، وتأليف الحكومة الأخيرة هو البداية وليس النهاية.
ما يشجع على التفاؤل هو انقلاب الموازين الداخلية، حيث لم يعد لـ “حزب اللّه” حلفاء وأذرع من بقية الطوائف، حتى الحصة الشيعية قاتل من أجل الحصول عليها، والأغرب هو رضى الولايات المتحدة الأميركية على الوزراء الذين من المفترض أن يمثلوا “الحزب” في الحكومة، وعدم قدرتهم على المجاهرة بأن “الحزب” هو من طرح أسماءهم للحقائب الوزارية.
صبر “حزب اللّه” عاماً وخمسة أشهر وافتعل “حرب تموز ” 2006 وقلب المعادلة الداخلية، والفارق الجوهري بين الأمس واليوم هو عدم قدرة “الحزب” عام 2025 على القيام بـ 7 أيار جديد وافتعال أي حرب بعد النكبة التي حلّت به وببيئته وتدمير ترسانته العسكرية والمالية وعدم قدرته على بناء ذاته بعد شحّ الأموال وقطع خطوط الإمداد وسقوط محور “الممانعة”، ولم يعد قادراً على فرض حكومات فيها ثلث معطّل. انطلاقاً من هذا الأمر ووفقاً للقراءة السياسية والعسكرية لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء.