
خاص- كيف سيتمّ نزع سلاح “الحزب”؟
تبدو كلمة نزع السلاح أصغر بكثير من أن تعبّر عمّا تحمله في طيّاتها من وجوب تفكيك منظومة كاملة ومتداخلة، جعلت “الحزب” يصبح دولة فعلية داخل الدولة. وتشمل هذه المنظومة الجانب العسكري المتمثّل بالسلاح والمقاتلين، والشقّ الاستخباراتي، والمنظّمات الداخلية والخارجية التي كانت تابعة للحزب، إضافة إلى كامل البنية المالية والتجارية والاجتماعية، ومصادر التمويل، ليس فقط من إيران، إنّما أيضاً من شبكات تصدير المخدّرات والتهريب والإمساك بمفاصل الدولة.
فكيف للحكومة الجديدة والجيش أن يقوما بعملية “نزع السلاح”، من دون استثارة الشارع الشيعي، وتعريض البلاد لخطر الفتنة والتوتّرات الأمنية؟
من يراقب الوضع على الأرض، يلاحظ أنّ عمليّة بسط سلطة الدولة والقوى الشرعيّة جارية تدريجاً ومن دون ضجيج. ويلاحظ أيضاً أنّ ردود الفعل من جانب “الحزب” وبيئته شبه معدومة. وقد نفّذ الجيش فعلاً عدداً من العمليّات في هذا الإطار، ولكن من دون تسليط كثير من الضوء عليها.
ففي الجنوب، يتسلّم الجيش، ولو ببطء، مواقع وقرى كانت القوّات الإسرائيلية قد احتلّتها. ولم تنفع “العودة الشعبية” إلى القرى المدمّرة، وما أثارته من ضجيج، في إخماد وهج العمل الذي يقوم به الجيش اللبناني، الذي يضع يده على مواقع وأسلحة وينظّف الأرض من مخلّفات الحرب. وكلّما تقدّمت القوى الشرعية اللبنانية في بسط سلطتها في الجنوب، أصبح الانسحاب الإسرائيلي الكامل أمراً لا مفرّ منه. صحيح أنّ هناك شكوكاً كبيرة في انسحاب إسرائيل الكامل في الموعد المحدّد في 18 شباط الجاري، أي بعد سبوع واحد، ولكن التقدّم الذي أُحرز لا يُستهان به.
هناك نقطة أخرى يجري العمل عليها، هي سدّ الثغرات الحدودية، ومنها على سبيل المثال تسلّم الجيش مواقع “الجبهة الشعبية – القيادة العامّة” في قوسايا، على قمم جبال لبنان الشرقية، وهي من أهم الممرّات لتهريب السلاح، والتي سيطر عليها نظام الأسد لمدّة 42 عاماً. كما تسلّم الجيش معسكرات “القيادة العامة” في البقاع الأوسط والبقاع الغربي وموقع “فتح الانتفاضة” في قضاء راشيّا.
أمّا الحدث الآخر الفائق الأهمّية في إطار بسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية، فهو القرار الذي اتّخذه الجيش بالتدخّل في ما يجري على الحدود اللبنانية السورية في منطقة الهرمل، لجهة تبادل القصف بين القوّات التابعة لإدارة العمليّات العسكرية السورية والعشائر. فقام الجيش بالانتشار على طول المنطقة الحدودية التي جرت فيها الاشتباكات، وانسحب مقاتلو العشائر، المحسوبون على “الحزب”، معلنين تسليم الأمر للقوى الشرعية اللبنانية. وهذه المنطقة ذات أهميّة كبيرة بالنسبة إلى “الحزب”، إذ هي نقطة عبور للأسلحة والمعدّات الآتية من طهران، ومكان لتجميع الصواريخ والمسيّرات، وتدريب المقاتلين. ومع إقفال هذه الثغرة، يكون جانب مهمّ من عملية “نزع السلاح” قد تحقّق.
أمّا السلاح في الداخل، فستعالجه الحكومة الجديدة بطريقة هادئة، ولكن فاعلة. وتقول مصادر نيابية إنّ العمل سيبدأ انطلاقاً من البيان الوزاري، بعد نيل الحكومة الثقة. وسينصّ البيان على تطبيق القرار 1701 واتّفاقية وقف النار مع إسرائيل، بما يمهّد لبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. وفيما يدور جدل حول ما سيتضمّنه البيان بالنسبة إلى موضوع المقاومة، يقول المصدر إنّ إيراد وجوب تطبيق القرارات الدولية كافٍ بحدّ ذاته، ولا داعي للتطرق إلى موضوع المقاومة تحديداً، على أساس أنّ الجيش يقوم بواجبه في الجنوب، حيث يعمل على بسط سلطته، وعلى الحدود مع سوريا في سدّ ثغرات التهريب. وإذا تمكّن الجيش من مراقبة مرفقي المطار والمرفأ، يكون قد قطع الطريق على أيّ محاولات لإعادة التسلّح.
تسليم السلاح سيتمّ تباعاً وعلى مراحل، ومن دون ضجّة. وفي النهاية، يفرض الأمر الواقع نفسه. فالسلاح سيصبح بلا منفعة، ولن يتمكّن “الحزب” من استعماله، كما لن يتمكّن من جلب أسلحة جديدة. وهكذا يتحوّل هذا السلاح إلى خردة مع الوقت. وستجري عمليّاً إزالة السلاح في شكل متزامن مع استعادة الدولة هيبتها وقوّتها. وقد أثبت الجيش أنّه قادر على ذلك، ولو بالتدرّج.
ومع ترسّخ الثقة الدولية بالجيش ودوره، ستقدم الولايات المتّحدة والدول الغربية على إمداده بالسلاح والعتاد الذي يكفي لمسك الأمن في الداخل ومراقبة الحدود. فمعضلة السلاح ليست قائمة بذاتها، بل هي نتاج كلّ هذه السيطرة التي أحكمها “الحزب” طوال سنوات على مفاصل الدولة اللبنانية. وكلّما تراجع نفوذ “الحزب”، يخفّ وهج السلاح وفاعليته. وما يضمن تحقّق هذا الامر أنّ الإقليم كلّه تغيّر، ولم يعد حماة “الحزب” قادرين على دعمه. فسوريا الاسد طارت، وإيران أصبحت أضعف من أن تعاود تصدير الثورة.