خاص- ..وسقط العهد في حقيبة

خاص- ..وسقط العهد في حقيبة

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: beirut24
9 شباط 2025

ببركة مار مارون ودعاء المبعوثة الأميركية الى الشرق الأوسط “المراة الحديدية الجديدة” مورغان أورتاغوس، وبعد نحو شهر من الأفراح والليالي الملاح “راحت السكرا وإجت الفكرا”، وتحطّمت الآمال والأحلام على صخرة “ثنائي” يحتجز طائفته رهينة ويجعلها مطيّة لمشاريعه السياسية والسلطوية ودرعًا بشريًا بوجه الاعتداءات الإسرائيلية. هكذا، وبسرعة قياسية سقط العهد الجديد في حقيبة، وصحا الشعب اللبناني من حلم جميل لم يدم طويلًا.

عندما قرأ الرئيس العماد جوزيف عون خطاب القسم في مجلس النواب بعد انتخابه الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية، كان الانطباع الأول بأن مضمون هذا الخطاب أجمل من أن يصدّق. إلا أن غالبية اللبنانيين الراغبين في التغيير الإيجابي باتجاه بناء دولة القانون والعدالة أصرّت على تصديق كل كلمة قالها الرئيس.

عندما أكد الرئيس المنتخب على تطبيق مبدأ المداورة في الإدارات العامة وحق الدولة في احتكار حمل السلاح، وقف نواب الأمة وخلفهم الشعب اللبناني بغالبيته ليصفقوا مطوّلًا ً تأييدًا لمطلب يعتبر، مع إصلاح القضاء، حجر الزاوية في بناء دولة القانون والعدالة. ظلت المبادئ التي طرحها الرئيس عون في خطاب القسم حديث الساعة بين المواطنين وعبر وسائل الإعلام حتى موعد الاستشارات النيابية التي أدت الى تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل حكومة العهد الأولى. ثم جاء خطاب التكليف في قصر بعبدا ليلاقي خطاب القسم في خطوطه العريضة، ما رفع منسوب التفاؤل لدى المواطنين.

بعد نحو شهر من المفاوضات بين الرئيس المكلف والقوى السياسية والحزبية أبصرت الحكومة الجديدة النور وحملت معها الصدمة والخيبة. فقد أتى المولود بتشوهات خلقية تجعله غير قادر على مواجهة مصاعب المستقبل، لأن مبدأ الكيل بمكيالين والصيف والشتاء تحت سقف واحد اللذين طالما شكا منهما الشعب اللبناني تجسّدا حرفيا في تركيبة الحكومة الجديدة بعدما تم تطبيق مبدأ المداورة في جميع الوزارات إلا واحدة، فكانت الاستثناء الذي ضرب القاعدة في الصميم.

إنها وزارة المالية، أو وزارة التوقيع الثالث، التي صمم الرئيس نبيه بري منذ البداية على الحصول عليها فكان له ما أراد، فأسقط العهد الجديد وعهوده في حقيبة واحدة. كما لا بد من الإشارة الى أن وزارتي المالية (ومعها مصرف لبنان) والطاقة (ومعها أمراء الحرب في الدولة العميقة) كانتا السبب الرئيس في الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت البلاد، بشهادة الخبراء والسياسيين المحليين والأجانب. فإذا بقيت “المالية” من حصة الثنائي، لماذا تم انتزاع “الطاقة” من “التيار الوطني الحر” الذي استُبعد كليًا عن حكومة العهد الأولى، طالما ان الفشل واحد في الوزارتين، وكذلك الفساد والمحسوبيات في الصفقات والتعيينات؟

وقبل الوصول الى توزيع الحقائب، لماذا كان قبول الرئيس المكلف، ومن خلفه رئيس الجمهورية، بالابتزاز والتهويل والتهديد بسلاح الميثاقية من فريق لم يعترف يومًا بالميثاقية عندما كان يخوض حروبه في الداخل والخارج في ظل معارضة أغلبية كبيرة من الشعب اللبناني، ما أدى في النهاية الى خسارته حربًا كلفته آلاف الشهداء والجرحى وكلفت البلاد خسائر بمليارات الدولارات؟

جميلة هي الميثاقية كنعوان عريض، لا بل انها مطلوبة.. ولكن.

أين كانت الميثاقية في حرب “لو كنت أعلم” عام 2005؟

أين كانت الميثاقية في اجتياح بيروت في 7 أيار عام 2008؟

أين كانت الميثاقية عندما انقلب “حزب الله” على الشرعية وأسقطها بقمصانه السود؟

أين كانت الميثاقية عندما اقحم “حزب الله” نفسه ولبنان في الحرب السورية دفاعًا عن طريقه الى طهران وليس عن أي شيء آخر، ما استدعى عزلة لبنان في محيطه العربي وعواصم القرار العالمية؟

أين كانت الميثاقية عندما استباح “حزب الله” حدود لبنان البرية ومرافئه البحرية والجوية أمام تهريب كل أنواع الممنوعات بدءًا بالسلاح وليس انتهاءً بالمخدرات؟

أين كانت الميثاقية عندما فجّرت اسرائيل بيروت عام 2020 بواسطة النيترات الذي ادخله “حزب الله” الى مرفأ بيروت لاعادة نقله الى سوريا واستخدامه في البراميل المتفجرة وغيرها من وسائل القتل الجماعية؟

أين كانت الميثاقية عندما أرغم “حزب الله” القاضي فادي صوان على التنحي عن التحقيق في انفجار المرفأ تحت وطأة التهديد، ثم تابع مهمته بواسطة وفيق صفا مع القاضي طارق البيطار، ما أوقف التحقيق لأكثر من عامين؟

أين كانت الميثاقية عندما دمّر “حزب الله” القطاع المصرفي اللبناني بعدما اعتقد أنه أقام نظامه المالي الخاص المسمى بـ “القرض الحسن”؟

أين كانت الميثاقية عندما فتح “حزب الله” حرب “إسناد غزة” فكانت النتيجة أن دمّر نصف لبنان مع كامل غزة، وأرغم الحكومة اللبنانية على توقيع اتفاق الاستسلام مع اسرائيل؟

وبعد كل ذلك يهدّد الثنائي الشيعي بالميثاقية لمنع انطلاقة مسيرة العهد الجديد؟

لا أحد يطالب بإقصاء أي طرف لبناني، ولكن شتان ما بين الإقصاء واستمرار الدولة في ظل العهد الجديد في الرضوخ لمطالب وتهديدات من دمّر البلد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وعزله عن محيطه العربي وأصدقائه في الغرب حتى أوصله (بمساعدة حليفه المسيحي) الى جهنّم أو ربما الى ما بعد بعد جهنم.

في المحصلة خسر العهد الجديد مباراته الأولى بالضربة القاضية بعدما سقط في امتحان حقيبة المالية، وكان سقوطه عظيمًا. إلا أن الأخطر هو أن من لم يستطع انتزاع حقيبة المالية من ثنائي دمّر لبنان على جميع المستويات وأخضعه لوصاية أجنبية مباشرة، لن يكون قادرًا بالتأكيد على نزع سلاح “حزب الله” تطبيقًا لمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة. والأخطر بعد، أن حكومة العهد الأولى اللبنانية ستجد نفسها في مواجهة حرب إسرائيلية جديدة قد تكون أشدّ من سابقتها اذا لم تلتزم بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتجريد “حزب الله” والميليشيات الأخرى من السلاح.