خاص- نوّاف سلام: المرِنُ… الصلب

خاص- نوّاف سلام: المرِنُ… الصلب

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
8 شباط 2025

قد تكون الجهة شبه الوحيدة التي لم توجّه انتقادات إلى الطريقة التي يعتمدها رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام لتشكيل الحكومة، هي الثنائي الشيعي، إلى أن عبّر رئيس المجلس نبيه برّي عن غضبه، وانسحب من الاجتماع الرئاسي الثلاثي الأخير في قصر بعبدا، رافضاً الاسم الشيعي الخامس الذي طرحه سلام.
أمّا من سمّوا الرئيس المكلف وكانوا الأكثر حماسة لإيصاله، فهم في الوقت عينه أكثر الأطراف التي وجّهت إليه الانتقادات. وعلى رأس هؤلاء القوّات اللبنانية، وبعض المستقلّين كالنائب ميشال الدويهي، والفريق السنّي المتمثّل بكتلة “الاعتدال الوطني”، إضافة إلى التيار الوطني الحرّ، الذي لم يرُق له العرض المقدّم إليه، ففضّل البقاء خارج الحكومة.
هل هو الأسلوب الذي يعتمده سلام في تشكيل الحكومة، والذي “لم يعتَد عليه اللبنانيون”، كما قال، هو السبب في هذه الأحجية، أم أنّ هناك أسباباً أخرى ما تزال مخفيّة ؟ وما الذي يؤخّر ولادة الحكومة، في كل مرّة تكاد الأمور فيها تصل إلى خواتيمها؟
احتار اللبنانيّون والأفرقاء السياسيون المعنيّون في تفسير الطريقة التي يعتمدها سلام لمقاربة التشكيل. فهناك ثوابت يؤكّد رئيس الحكومة المكلّف أنّه لن يحيد عنها، كما أنّه لن يتنحّى، على رغم كلّ المصاعب. وخارج هذه الثوابت، هو مستعدّ للنقاش وأخذ الوقت للخروج بحكومة تكون قادرة على العمل.
ومن الثوابت، أنّه لن يقبل بأن يسمّي الثنائيُّ الوزير الشيعي الخامس، لأنّ من شأن ذلك أن يسحب صفة الميثاقية عن الحكومة، في حال قرّر الثنائي الخروج منها بسبب رفضه لقرار ما اتّخذته. وهذا يعرقل عمل مجلس الوزراء، وهو ما لا يريده سلام بأيّ ثمن. لذلك، وضع سلام فيتو على تسمية الثنائي للوزير الخامس، ما دفع برّي إلى مغادرة الاجتماع الرئاسي في قصر بعبدا، بينما كانت مراسيم التشكيل قد أصبحت شبه مكتملة لإعلان ولادة الحكومة. ولكن، في المقابل، لم يقم سلام بفرض الاسم الذي اختاره هو، أي لمياء مبيّض، وتابع التشاور للإتيان باسم غير محسوب على الثنائي، ولكن لا يرفضه برّي. وهذا ما حصل بالفعل، عندما سرت معلومات أن رئيس المجلس لا يمانع في اسم ناصر السعيدي، الذي كان هو من رفض دخول الوزارة. وعليه، عاد البحث عن اسم جديد، قيل إنّه رائد شرف الدين، وهو ابن السيدة رباب الصدر شقيقة الإمام المغيّب موسى الصدر، بحيث سيكون صعباً على برّي رفضه.
أمّا الثابتة الثانية التي تحدّث عنها سلام، وهي أن تكون الحكومة من خارج التمثيل الحزبي، فيحيط بها الغموض. إذ ليس واضحاً ما هو مفهوم الرئيس المكلّف للوزير الحزبي، وهل هو مجرّد حيازته على بطاقة انتساب إلى حزب ما، فيما لا يُعتبر حزبياً من تسمّيه الأحزاب أو يكون مقرّباً منها إذا لم يكن منضوياً في الحزب؟
ربّما يكون هذا هو المفهوم الذي يتكلّم عليه سلام، وهو ما يشكّل مخرجاً له بين الأخذ بآراء الأحزاب وعدم تسمية حزبيين في الوقت عينه. وهو ما سمح له بالقبول بترشيح ياسين جابر لوزارة المال مثلاً. ويبدو أنّ سلام ماضٍ بحكومته، كما هي، إذا وافق برّي على اسم شرف الدين.
ولكن، لم يُعرف ما هو الموقف الأميركي من الأسماء الشيعية الأربعة، وما إذا كانت واشنطن تعتبر هؤلاء الوزراء محسوبين على “الحزب”، خصوصاً بعد الموقف الصارم الذي أعلنته الموفدة الأميركية الجديدة مورغان أورتاغوس بعد لقائها الرئيس جوزف عون، والذي اضطرّ الرئاسة إلى إصدار بيان توضيحي، تؤكّد فيه أنّها غير معنيّة ببعض تصريحات مورغان التي أدلت بها من قصر بعبدا.
في اعتقاد الأوساط القريبة من الرئيس المكلّف أنّ سلام يحاول التوفيق بين الشروط الأميركية التي تطالب باستبعاد “الحزب” عن الحكومة، وقراره عدم إقصاء أيّ جهة لبنانية، بمعنى عدم إقصاء أيّ طائفة عن السلطة التنفيذية. وإذا كان من ثغرات في المعايير المتّبعة بالنسبة إلى البعض، فإنّ رئيس الحكومة المكلّف يعتبر أنّ مجلس الوزراء ليس في النهاية مجلس نوّاب مصغّراً، وليس من الضروري أن يكون التمثيل في الحكومة نسخة مصغّرة عن التمثيل النيابي. فلا الدستور ينصّ على ذلك، ولا قدرة عمليّاً على التوفيق بين المطالب المختلفة. وكلّ ما يمكن عمله، هو إخراج الحكومة بالحدّ الأدنى من مراعاة الأطراف، ضمن مراعاة قدرة الحكومة على العمل واتّخاذ القرارات. وهذه القدرة مرتبطة بالطبع بالرضى الأميركي والسعودي.
يبدو التنسيق صعباً بين كلّ هذه المتناقضات. ولكن الأوساط تشدّد على أنّ القرارت في مجلس الوزراء تُتّخذ في النهاية بأكثرية معيّنة. ووزير المال لا يمكنه قانونياً أن يرفض توقيع قرار صادر عن مجلس الوزراء، فيما التركيبة التي يُعمل عليها تمنع الثنائي الشيعي عمليّاً من تعطيل القرارات أو عمل الحكومة. أمّا الأطراف الأخرى فيُتوقّع أن تكون في صفّ ما ينصّ عليه خطاب القسم، ولو مع بعض التمايز.
في النهاية، هناك جوّ جديد في المنطقة وفي لبنان. والحكومة ستعمل ضمن هذا الجوّ، وإن حصل بعذ التجاذب حول الشكل. وأمام الحكومة طريق طويل من المشقّات والتحدّيات، ويجب البدء من مكان ما وتحسين الظروف مع الوقت.