
خاص- أيّ وعد أعطى ترامب لنتنياهو حول لبنان؟
حُسم الأمر، وتمّ التوافق على الخطوط العريضة للسياسة التي ستتّبع في المنطقة، في اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض. وتناول الاجتماع الملفّات المتعلّقة بمستقبل غزّة، والوضع في لبنان، وكيفية التعامل مع إيران، إضافة إلى خطّة التطبيع التي تعمل عليها واشنطن بين تلّ أبيب ودول خليجية، على رأسها المملكة السعودية. وكان نتنياهو مزهوّاً بلقائه ترامب، لدرجة وصفه بأنّه “أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض على الإطلاق”.
فهذا “الصديق” أعلن بوضوح، ومن دون أيّ تردّد أو خجل، أنّ خطّته هي تهجير الفلسطينيين من غزّة إلى دول أخرى كمصر والأردن وسوريا، وهو ما قال عنه نتنياهو أنّه “قد يغيّر التاريخ”. وهذه الخطّة تعتبر أكبر دعم للمخطّط الإسرائيلي بالقضاء على القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور المشؤوم في العام 1917، الذي أيّد إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وكان ترامب، في ولايته الأولى، قد اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ونقل سفارة بلاده من تلّ أبيب إلى القدس، معترفاً بها عاصمة لإسرائيل.
أمّا في ما خصّ لبنان، فلم يكن أكثر دلالة على الدعم الأميركي للخطط الإسرائيلية، سوى الهديّة التي قدّمها نتنياهو للرئيس الأميركي، وهي كناية عن جهاز اتصال الكتروني لاسلكي “بيجر” بلون ذهبي، وآخر بلون عادي، في إشارة إلى عملية تفجير أجهزة “البيجر” بقيادات “حزب الله” يوم 17 أيلول الماضي، والتي كانت نقطة الانطلاق لتوسيع الحرب على لبنان. وبالفعل علّق ترامب على الهديّة، قائلاً: “كانت عملية رائعة”.
وتقول أوساط صحافية لبنانية في واشنطن إنّ لبنان دخل “العصر الأميركي”، بمعنى أنّه أُخرج من المحور الإيراني الذي انتهى عمليّاً، بحيث سقط نظام الأسد، وأُضعف “الحزب”، وحتّى إيران بذاتها صارت في موقع أضعف بكثير من السابق، خصوصاً أنّ ترامب يريد العودة إلى ممارسة سياسة الضغوط القصوى معها، لجعلها توقّع اتّفاقاً نوويّاً بحسب شروطه، وإلّا فإنّ أي ضربة عسكرية تبقى غير مستبعدة، وتحديداً للمواقع النوويّة.
وهناك ثلاثة عناوين تعمل عليها الإدارة الأميركية الجديدة في الملفّ اللبناني، وهي: حفظ الأمن لإسرائيل، إضعاف “حزب الله” في الداخل، والترويج لفكرة توطين الفلسطينيين في شكل نهائي.
في ما خصّ الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، سيعمل الوفد الأميركي الذي سيصل إلى المنطقة في الساعات المقبلة، على التأكّد من أنّ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب لن تكون له تداعيات على أمن المنطقة الشمالية في إسرائيل التي لم يعُد سكّانها إليها بعد. وعليه، قد توافق واشنطن على بقاء القوّات الإسرائيلية على بعض التلال الاستراتيجية في الجنوب لمدّة أطول من الوقت، حتّى بعد الانسحاب في التاريخ المحدّد بـ 18 شباط الحالي. وستعمل الإدارة الأميركية على دعم انتشار الجيش اللبناني، وتزويده بالسلاح المطلوب، بعد التأكّد من المسار الذي يتّبعه في إخلاء المنطقة من السلاح، ومن ثمّ الاستعداد لنزع السلاح غير الشرعي على كامل الأراضي اللبنانية.
وفي الداخل اللبناني، يبدو أنّ الإدارة الأميركية قد وضعت فيتو على أيّ مشاركة للحزب في الحكومة. وليس واضحاً بعد موقفها من إعطاء ياسين جابر المحسوب على حركة “أمل” حقيبة وزارة المال الحسّاسة. وربّما تأخّر إعلان التشكيلة الحكومية التي كادت أن تولد أمس، انتظاراً لوصول الوفد الأميركي الذي سيضع اللمسات الأخيرة على الأسماء، قبل إعلان الحكومة الجديدة، التي ستكون على عاتقها مهمّات فائقة الأهمّية، كالعمل على نزع السلاح غير الشرعي، والإشراف على الانتخابات النيابية في أيّار 2026، والبدء بالإصلاحات اللازمة لعودة الدورة الاقتصادية إلى طبيعتها، وفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية، وخصوصاً الخليجية.
ولكن، في موازاة كلّ ذلك، وفي ظلّ التطوّرات في غزّة والضفّة وخطّة التهجير التي يطرحها ترامب، بات مخطّط توطين الفلسطينيين في لبنان أقرب إلى الواقع. فطريق العودة صارت أبعد بكثير ممّا كانت عليه، طالما أن هناك سعياً لتهجير الفلسطينيين في الداخل، فكم بالحريّ بفلسطينيي الشتات؟ ومع القرار بسحب السلاح من خارج المخيّمات وداخلها، وتراجع دور وكالة الأونروا، سيطالب المجتمع الدولي بإعطاء الفلسطينيين في لبنان الحقوق المدنية والاجتماعية، والذي هو بداية الطريق للتوطين، علماً بأنّ إحصاءات رسمية لبنانية فلسطينية نُشرت في السنوات الماضية، أظهرت بأنّ عدد الفلسطينيين في لبنان بات أقلّ بكثير ممّا كان عليه، بفعل عامل الهجرة التي اتّسعت على مدى السنوات.
هذه هي “حصّة” لبنان من الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه ترامب ونتنياهو. فهل يمكن الإفادة من إيجابياته، لبناء الدولة القويّة، التي ستكون وحدها القادرة على تجنّب السلبيات التي يحملها المشروع الجديد للمنطقة؟