الانتخابات النيابية أفق مفصلي للقوى السياسية

الانتخابات النيابية أفق مفصلي للقوى السياسية

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
5 شباط 2025

يمتلك الوزيران السابقان طارق متري وغسّان سلامة من الرصيد الدولتي الجامع والمدافع عن سيادة لبنان ما كان يكفل ضمان تأييد استباقي للحكومة العتيدة برئاسة نواف سلام صاحب الرصيد المثقل بالمفهوم الدولتي كذلك لا سيما من القوى المعارضة سابقاً.

الأمر نفسه ينسحب على السفير السابق ناجي أبي عاصي صاحب الباع الطويل في الممارسة الديبلوماسية الرصينة والجادة فيما المرشحان الجديدان الآخران لوزارة الطاقة ووزارة الاتصالات يحظيان بتقدير مهني عالٍ يسهم في إخراج هاتين الوزارتين من الإخفاقات السابقة. لا أحد يفترض به الاعتراض على هؤلاء ولا أحد فعل في الواقع، والمشكلة ليست في منح هذه الشخصيات وربما أخرى سواها أو معها الحصانة لحكومة يُتوقع أن تحظى بقبول وتأييد واسعين وقدرة على السير قدماً في تذليل العقبات في المرحلة المقبلة. فالتعقيدات تحوط بتأليف الحكومة على نحو لم يجب أن يحصل في هذه المرحلة التالية لعقود من الحروب والانهيارات والكوارث على كل المستويات ولا يجب أن تقارب بالآليات القديمة نفسها. وذلك فيما يتوالى حج ديبلوماسي خارجي إلى لبنان يدفع في اتجاه استكمال لبنان مساره من أجل الخروج من أزمته، البعض منه يظهر تفهماً للاعتراضات الحاصلة فيما بعض آخر يعتبر أن مصلحة لبنان هي ما يجب أن يعلو راهناً أكثر من مصالح القوى السياسية في فترة انتقالية تستمر حتى الانتخابات النيابية المقبلة، علماً بأن هذا الاستحقاق الأخير يستعد له الجميع على نحو استباقي لأنه سيكون مفصلياً فيما يسعى الجميع إلى تحديد حجمه وقوته واستراتيجيته من الآن. فلدى المسيحيين معركة سياسية كبيرة حول من سيكون في القيادة وكيف ستتغيّر الأحجام، ولدى الشيعة معركة مماثلة إزاء كيفية إدارة الشارع الشيعي والحؤول دون خروج قوة ثالثة منه أو أكثر بديلة من الثنائي الراهن، ولدى السنة كذلك علامات استفهام كبيرة من سيكون قائد اللعبة السياسية السنية. فإذا نجح حزب أو تيار في إحدى الوزارات، فهو يستثمر ذلك في الانتخابات المقبلة. وهذه هي الخلفية التي كانت تحتم في الأساس الذهاب إلى حكومة غير تقليدية ولا يمكن أن يدرجها أحد تحت خانة سياسية لأن المرحلة الحالية والمقبلة محتدمة بالملفات الكبيرة إلى درجة أنه إن كانت الحكومة جزءاً منها فمن المرجح أن تغرق حتى لو أنها تعمل بأفضل ما يمكنها لأنه سيكون صعباً إقناع الناس بأن لا غاية أو خلفيات أو حتى انعكاسات سياسية لكلّ مقارباتها.

أمران مهمّان يبرزهما البعض، أحدهما يتصل بالاعتقاد بأن القوى السياسية تسعى إلى تأطير الحركة السياسية المحتملة للرئيس المكلف على نحو مسبق في وقت يعتبر فيه هؤلاء أن القوى السياسية كان يجب أن تكون داعمة ما دام كلّ ما سيقوم به يصبّ في مصلحتها وتساعده تالياً في استيعاب الثنائي الشيعي. والآخر يعتبر أن الفرصة التي حصل عليها سلام مهمة ومنتظرة ويرغب في النجاح فيها وكذلك غالبية اللبنانيين، ما يمكنه من المغامرة بالخروج من التركيبة أو المقاربة التي اعتمدها إلى مقاربة أخرى لا يرضي فيها أحداً من القوى السياسية بل الرأي العام اللبناني فحسب، على قاعدة عدم إرضاء الجميع بدلاً من إرضاء جزء وإغضاب الجزء الآخر.
يضاف إلى ذلك أن انحسار الكلام الذي تقدّم في الأسبوع الأخير عن تدخل خارجي في عملية التأليف بعدما أخذ الأمر مداه في استحضار رفض أميركي لإعطاء وزارة المال للثنائي الشيعي أو تسمية وزراء من “حزب الله” لا يلغي إبقاء تساؤلات كبيرة عالقة. هذه التساؤلات تتمحور منذ ما قبل انتخاب العماد جوزف عون رئيساً حول المدى الذي يمكن اعتبار المعادلة التي رسا عليها الوضع داخلية وما مدى التدخل الخارجي الذي حصل وهل هذا التدخل الخارجي كان ولا يزال لحلحلة الأمور أم للمشاركة في اتخاذ القرار؟ وبالعنوان الأوضح، ما دور الخارج حالياً في لبنان ومن هو هذا الخارج؟ فحتى انتخاب العماد عون كان تحرك الخماسية علنياً وواضحاً في اتجاه مسار معلن وواضح هو تأمين حصول انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة بناء المؤسسات. وحصل انخراط خارجي واضح في انتخاب الرئيس عون وحتى في الدفع نحو تسمية نواف سلام وإن لم يكن ذلك مقرراً في الأفق قبل موعد الاستشارات النيابية الملزمة. ويبقى السؤال راهناً هل التدخل الخارجي في تأليف الحكومة قائم وكيف؟ (للبحث صلة).