مشاركة الأحزاب المسيحية بشروطها … وإلّا فالمعارضة
إذا صحّت التسريبات عن التشكيلة الحكومية العتيدة، ولا سيما على صعيد توزع الحصتين المسيحية والشيعية، وهي صحيحة وفق المعلومات المتقاطعة، فإن الرئيس المكلّف نواف سلام يكون قد نجا من مشكلة تمثيل ثنائي “أمل- حزب الله”، بالتسليم بمطالبه التي كانت أساساً في صلب التفاهمات السابقة، ليقع في مأزق عقدة التمثيل المسيحي التي تتطلب في الحد الأدنى تعاملاً بالمثل، إن لم يكن تعاملاً مميزاً بعدما كانت الأحزاب المسيحية الحصان الأبيض الذي دخل على ظهره سلام السرايا رئيساً مكلّفاً، بعد إحباط التفاهم السابق على الرئيس نجيب ميقاتي.
لا تشعر هذه الأحزاب بأن السلطة الجديدة على مقلبي الرئاسة والحكومة مدركة أهمية اللاعبين الداخليين في مرحلة الحكم المقبل. بل هي تعبّر عن خيبة ومرارة من أن يكون ما تصفه بـ”رد الجميل” لدورها ومساهمتها، لا يعدو كونه عملية تهميش لموقعها وحجمها. وليس من باب المصادفة أن يعطي الرئيس المكلّف الثنائي، الحصة الشيعية شبه كاملة وفق ما يريد، ويسمّي إلى جانب حصته في التمثيل السني، حصة وازنة في التمثيل المسيحي، عبر تمسكه بتوزير الوزيرين السابقين طارق متري لنيابة رئاسة الحكومة وغسان سلامة لوزارة الثقافة. وفيما يحتفظ رئيس الجمهورية بحقه في تسمية وزراء الخارجية والدفاع والعدل والداخلية، يكون حزب “القوات اللبنانية”، الممثل لأكبر كتلة نيابية في المجلس خارج الحقائب السيادية الاربع، فيما يظهر أن حجم حصته لن يتجاوز 3 حقائب هي الاتصالات والطاقة والسياحة، علماً أن الحزب غير متحمس كثيراً للطاقة إدراكاً منه أنها حقيبة “حارقة” لمن يتولاها في المرحلة القصيرة لعمر الحكومة لكونها حكومة انتقالية في الوقت الفاصل عن موعد الانتخابات النيابية ربيع 2026.
فالحصة المسيحية تترجح بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف، وسائر الأحزاب الممثلة بـ”القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” وحزب الكتائب، والكتل الأصغر الأخرى التي لا تزال تصارع لتثبيت التمثيل الحزبي وفق الحجم النيابي وليس أقل.
وفيما يواصل الرئيس المكلّف مساعيه ضمن هامش المناورة المتبقي أمامه لفكفكة العقدة المسيحية على نحو يسهّل الولادة الحكومية، يبقى السؤال المطروح: ماذا لو ارتأت الاحزاب المسيحية أن مصلحتها تكمن في البقاء خارج الحكومة، إذا تبين لها أن تمثيلها لن يرقى إلى مستوى حجمها، وسيكون له انعكاس سلبي على صورتها في السباق الانتخابي على الاستئثار بالتمثيل المسيحي الأكبر؟
لا شك في أن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية أثار القلق في بعض الأوساط الحزبية المسيحية، لكنه حتماً أقضّ مضجع التيار البرتقالي المدرك لما يمثله وجود عون على رأس الدولة بعد قيادة الجيش بالنسبة إلى شارعه وجمهوره. فالرئيس، من دون أن يبذل أي جهد، سيأكل من صحن رئيس التيار جبران باسيل ويؤرق ليله ونهاره. أما “القوات”، فلا تخشى أوساطها أن يخطف عون جمهورها، بل على العكس، هي تتعامل مع الوضع الجديد على أنها “أمّ الصبي”، خصوصاً أن خيار دخولها أو بقائها خارج الحكومة تحكمه الأجوبة التي تنتظرها من الرئيس المكلّف حول سياسة حكومته والتزامتها حيال تحديات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها.
تقول مصادر نيابية من تكتل “الجمهورية القوية” إن حزب “القوات اللبنانية” لا يرهن مشاركته في الحكومة بمواقع وحقائب. وهذه بالنسبة إليه مسألة هامشية أمام الخيارات التي يعطيها الأولوية، ويناقش الرئيس المكلّف فيها، وتتصل بدور الحكومة وموقفها من تطبيق القرارات الدولية وما تطالب به الشرعية الدولية، وما سيكون عليه التعامل مع وزراء “حزب الله” في الملف السياسي كما في السياسات الاقتصادية والمالية التي وقف الحزب عائقاً أمام تنفيذ الاصلاحات المتصلة بها. ولا تخفي المصادر خشيتها من صمت الرئيس المكلّف حيال هذه الأسئلة، لكنها ترى في المقابل أن الوقت ليس ضاغطاً بحيث يتسرع الرئيس في التأليف من دون الأخذ في الاعتبار هذه التحديات التي ستؤدي إلى انعكاسات سلبية ما لم تتم مقاربتها في الشكل الصحيح. وعليه، لا جواب قريبا عن المشاركة من عدمها قبل وضوح الرؤية لدى الرئيس المكلّف.