تصنيف “مبتذل” وخارج الدستور لحقائب سيادية أو وازنة… وعادية!

تصنيف “مبتذل” وخارج الدستور لحقائب سيادية أو وازنة… وعادية!

الكاتب: منال شعيا | المصدر: النهار
4 شباط 2025

لا الدستور ولا أي قانون لبناني يفرز بين الوزارات أو الحقائب الوزارية.

بهذه الخلاصة، يبدأ العرض على “بازار” التوزير في لبنان، منذ أعوام، في كل مرة تطرح المعادلة أمام تشكيل حكومة جديدة.

والسؤال، من أين أتى هذا التقسيم الرباعي: حقائب سيادية، أخرى وازنة، ثالثة خدماتية، ورابعة عادية مع وزارات الدولة؟
لقد كان لافتاً التكرار الذي يدأب عليه الرئيس المكلف نواف سلام حين يصر على التزامه اتفاق الطائف، وهو يحمل بيده نسخة من الدستور اللبناني، في كل مرة يتجه للقاء رئيس الجمهورية جوزف عون للتباحث في التشكيلة الحكومية. أولاً، إن الطائف لم ينص على تقسيم الحقائب والوزارات أو فرزها إلى أقسام أربعة. ثانياً، ليس ثمة حكر لطائفة على وزارة معيّنة. وثالثاً، إن مبدأ المداورة بين الحقائب كان محترماً ومطبقاً في حكومات ما قبل الـ2005، ولم تظهر هذه “البدعة”، إلا حين احتدم الشرخ العمودي والأفقي في البلاد، وباتت الوزارات وآليات الحكم تتوزع “كقالب جبنة” على الأطراف الوازنة.

“نعمة الإرضاء”
بعد الـ2005، تبدّل واقع المداورة الذي كان محترماً نسبياً، وبتنا أمام مشهد وزاري يقوم على تكريس وزارة الداخلية لـ”تيار المستقبل”، وزارة المال لـ”حركة أمل” والخارجية لـ”التيار الوطني الحر”، ودرجت العادة أيضاً على إسناد وزارة الدفاع لوزير مقرب من رئيس الجمهورية.

هذا التقسيم المذهبي تجاوز مبدأ الدستور ومفهوم الميثاقية بين مسلمين ومسيحيين وحتى مبدأ المناصفة، ليصبح كـ”قميص عثمان” يُستغل كأداة للتعطيل والمناكفات وتسجيل نقاط بين الاحزاب أو الكتل الوازنة، فوق مصلحة الوطن وبناء الدولة.

من هنا، كان مهماً تأكيد رئيس الجمهورية في خطاب القسم “احترام مبدأ المداورة”، ما يعزز أن لا مادة دستورية تنص على ذاك التقسيم.

إذن، دستور الطائف لم يتكلم عن نوعية الحقائب أو تصنيفها، فيما بات أمام اللبنانيين معادلات مبتكرة كالآتي:
حقائب سيادية أربع: الداخلية، الخارجية، المال، الدفاع.
حقائب وازنة: العدل، الاقتصاد، العمل.
حقائب خدماتية كالطاقة والمياه، الصحة، الاتصالات، الأشغال والنقل، التربية، الشؤون الاجتماعية.
حقائب عادية: الشباب والرياضة، البيئة ووزارات دولة.

لا شك في أن استعمال التعابير يدل على نوعية الوزارة، فالسيادية تأتي من السلطة الأمنية والمالية على البلد، فيما الخدماتية تتصل بالخدمات التي تلامس حياة المواطنين في عيشهم ونوعية حياتهم الصحية والتربوية وتأمين حاجاتهم في ما يتصل بالبنى التحتية للبلد وغيرها، والوازنة كالعدل، التي أصرّ، يوماً، الرئيس ميشال عون على تسلمها “لمحاربة الفساد”.

إلا أن هذا الفرز يضرب مبدأ المساواة بين الوزارات، وبالتالي يضرب صورة الجمهورية المتكاملة، لكون كل الوزارات يُفترض أن تكون متساوية في السيادة والواجبات. والدليل على أن هذا “الصراع” لم يكن تاريخياً موجوداً، إلا حين باتت المحاصصة وفرض النفوذ ذهنية سائدة في إدارة البلد.

فكل طرف بات يستقوي على الآخر. البعض بالسلاح، البعض الآخر بتسلّم حقائب سيادية وازنة، والطرف الثالث بإدارة السياسة المالية والنقدية للبلد. وكأن هذا التقاسم يعطي كل طرف نعمة الإرضاء وعدم الشعور بالاستضعاف. إلا أن كل هذه المعادلات أتت على حساب بناء البلد، فكان الانهيار الدراماتيكي الكبير، مالياً وسياسياً وخدماتياً، لأن أي طرف لم يقدم شيئاً.

لم يشر أي قانون إلى أي مفاضلة بين الوزارات، ولم يخصص الدستور أياً منها لأي طائفة. والدليل أن جميع الذين شاركوا في صياغة الطائف يؤكدون هذا الأمر، وأبرزهم الوزير السابق إدمون رزق الذي قال مرة في حديث صحافي مكتوب: “هذا التصنيف مبتذل ودخيل على الدستور والمفهوم الديموقراطي”.
لا شك في أنه خلل بنيوي “نحر” طريقة إدارة الحكم، فمتى ستجرى “النفضة” للمؤسسات والوزارات المترهّلة؟!