إسرائيل تعاود إعلاء خطاب الحرب ضد «الحزب» على طريقة… أُعذر مَن أنذر
– «حزب الله» مَتَّهَم من خصومه باستمرار «إنكار» التحولات الجيو – سياسية الحاسمة في الإقليم
– مخاوف من استثمار «الممانعة» في الفوضى لوقف انهيار قوس النفوذ الإيراني في المنطقة
– «حزب الله» قد يجعل احتفاظ إسرائيل بالتلال الخمس «مزارع شبعا
– 2» لتبرير استمرار سلاحه
في طريق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، صعّدتْ اسرائيل لهجتها حيال «حزب الله» مع انقضاء الأسبوع الأول من «ثلاثية» تمديد الهدنة على جبهتها الشمالية (انتهى وقتها الأصلي في 26 نوفمبر) حتى 18 فبراير الجاري، من دون أن يكون ممكناً استشرافُ ما بعد هذا التاريخ ولا سيما في ظل اتجاه شبه محسوم لدى تل أبيب للإبقاء على نقاطٍ تحت الاحتلال «الموقت» بعنوان «الوجود الإستراتيجي» لزوم ضمان تنفيذ لبنان كامل مندرجات اتفاق وقف النار وإكمال جيشه سيطرته الفعلية على منطقة جنوب الليطاني.
كاتس
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأكثر تعبيراً عن التشدّد الذي يُرجَّح أن ترفع بلاده منسوبَه إلى الحدّ الأقصى حيال لبنان و«حزب الله» بعد أن يُعقد غداً اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو، إذ رَسَمَ باكراً «معادلة رعب» إسرائيلية بإزاء أي انزلاقٍ جديد من الحزب سواء لمحاولةِ استعادةِ رَدْعٍ تَعتبر تل أبيب أن نتائج «حرب لبنان الثالثة» لم تعُد تتيحه أو لإحياء الخيار العسكري بوجه أي خطواتٍ ستقوم بها مع انتهاء الهدنة المُمَدَّدة ويصعب تَصَوُّر أنّها ستحصل من دون غطاء الولايات المتحدة.
نعيم قاسم
وتعمّد كاتس، قبيل إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم التي تناول في جانب منها مراسم التشييع المرتقَب للسيد حسن نصر الله (بعد 20 يوماً) الذي اغتالتْه إسرائيل في 27 سبتمبر الماضي، أن يتوّجه إليه مهدّداً إياه بأنه «سيدفع ثمناً باهظاً جداً إذا خرق وقف النار» واقترح «على خليفة نصر الله ألّا يخطئ في تقدير عزمنا»، طارحاً معادلة «إما لا مسيَّرات أو لا حزب الله» على قاعدة أن «الخيار سيكون بين وقف المسيّرات أو القضاء على الحزب» في إشارة إلى محاولة الأخير قبل أيام إطلاق مسيّرة جمْع معلومات في اتجاه الأراضي الإسرائيلية وتم اعتراضها.
وجاء موقف كاتس خلال جولة تفقدية لمواقع الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان برفقة قائد فرقة 146، حيث أجرى تقييماً للوضع الأمني مع عدد من الضباط والمسؤولين العسكريين، بهدف متابعة تنفيذ تمديد ترتيبات وقف النار، وذلك على وقع مَسيرات «أحد العودة – 2» لبيئة «حزب الله» إلى قرى لاتزال تحت الاحتلال، والتي خالفتْ المشهد المروّع الذي رسمتْه تل أبيب (الأسبوع الماضي) بدماء نحو 26 مواطناً أعزل سقطوا ونحو 150 جُرحوا بالرصاص المباشر، وخصوصاً أن عدداً من البلدات انسحب منها الإسرائيليون – ودخلها الأهالي مع الجيش اللبناني – أو تَراجعوا إلى أطرافها، فيما بقي الاحتلال لأخرى وعلى الأرجح تمهيداً لموعد 18 فبراير الذي يُفترض أن يرسو على إكمال تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار مع الاحتفاظ وخلافاً لمضمونه بنقاط إستراتيجية غالبيتها تلال حاكمة (عددها 5).
«عدم التسامح»
وقد شدد كاتس خلال اللقاء على «سياسة عدم التسامح المطلق» التي تتبعها إسرائيل ضد أي خروق من حزب الله، مشيداً بـ «جهود الجيش في حماية المستوطنات الشمالية».
وفي رسالة تحذيرية لحزب الله والسلطات اللبنانية، قال كاتس: «شهدنا في الأيام الأخيرة محاولات لإطلاق مسيّرات باتجاه إسرائيل. أبعث برسالة واضحة: إسرائيل لن تقبل باستمرار هذه الهجمات من لبنان». وأضاف: «لن نسمح بالعودة إلى واقع 7 أكتوبر (2023). سنحبط التهديدات وسنردّ بكامل قوتنا».
جنوب لبنان
وفي سياق متصل برز تقرير نشرته القناة الـ 12 الإسرائيلية وكشفت فيه «اليوم التالي» لـ 18 فبراير، إذ أشار إلى أنه مع تحول وقف النار عند الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى واقعٍ دائم، يُوصي الجيش الإسرائيلي باستمرار الوجود في النقاط الاستراتيجية الرئيسية في الأراضي اللبنانية حتى يصبح الجيش اللبناني مستعداً بالكامل في جنوب لبنان.
وبحسب التقرير فإنه «رغم أن القرار النهائي يتوقّف على موافقة المستوى السياسي، فإن الجيشَ الإسرائيلي يريد أن يرى اتفاق وقف النار مطبقاً بالكامل، مع الاعتراف بعلامات مشجعة على الأرض، فالجيش اللبناني يظهر حضوراً وتصميماً في أنشطته للقضاء على تهديدات حزب الله. ومع ذلك، التوصية الرئيسية هي تنفيذ انسحاب متدرّج، وليس انسحاباً كاملاً للجيش الإسرائيلي من الميدان».
بؤر استيطانية
وأورد أنه «في إطار الانتشار الجديد للجيش الإسرائيلي في القطاع الشمالي، يتم تشكيل مفهوم دفاعي جديد للمجتمعات الشمالية. وتتضمن الخطة، التي من المتوقّع أن تغيّر الواقع الأمني في المنطقة، إنشاء مجموعة جديدة من البؤر الاستيطانية، حيث سيتم إنشاء بؤرة دائمة للجيش الإسرائيلي أمام كل مستوطنة لتوفير الدفاع المستمر على المدى الطويل (…) ومن المتوقع أن تمنح السكان شعوراً ملموساً بالأمن».
وتحدّث التقرير عن أنه «في الميدان، يستمر النشاط العملياتي لمقاتلي الجيش الإسرائيلي على عدة مستويات في وقت واحد. وتشارك القوات في الكشف المكثف عن مناطق الغابات وعمليات المسح العميق للمراكز التي يعمل فيها عناصر حزب الله. وفي الوقت نفسه، يتم إجراء عمليات استخباراتية مكثفة وتنفيذ أنشطة لتحديد محاولات التنظيم لإعادة تأسيس نفسه في وقت مبكر. كذلك، يتم إحباط أي تهديد على الفور (…) وعلى النقيض من الماضي، لم يعد التركيز الآن منصبّاً على تهديدات التسلل على طول الحدود فحسب، بل يمتد أيضاً إلى التهديدات المحتملة في عمق الأراضي اللبنانية». وختم: «التقدير هو أن التنظيم سيعمل على بناء هذه القدرات مُجدداً، فيما يستعدّ النظام الدفاعي الإسرائيلي لمنع إعادة تأسيسه في الميدان».
مابعد الهدنة
وفي موازاة «الإحاطة المبكرة» الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الهدنة، لم يكن ممكناً الجزم بما سيقوم به «حزب الله»، وهل ينجرّ مجدّداً إلى ميدانٍ، يَعتبر خصوم الحزب «أن حرب الـ 65 يوماً أثبتتْ أن لا قدرة له على مجاراتها، إلا من باب استحالة أن تسحقه إسرائيل في ضوء اختلاف المعايير والمقاييس في الحروب التي تقع بين دول وتنظيماتٍ مسلّحة لا تَعتبر حجم الدمار أو مقدار اغتيال القادة أو سقوط الضحايا من عناصر الهزيمة بل استمرار الاحتفاظ بصواريخ والقابلية لإطلاقها ولو فوق الركام».
ورغم عدم إسقاط بعض الأوساط إمكان أن يقارب «حزب الله» أي احتفاظ لإسرائيل بنقاط داخل الأراضي اللبنانية بوصفها تشبه «مزارع شبعا -2» التي طالما تعاطى معها الحزب بعد تحرير العام 2000 بمثابة ذريعة لتبرير مقاومته، مكتفياً بعمليات «تذكيرية» فيها، فإنّ أحداً لا يمكنه الجزم بما قد تكون عليه جبهة الجنوب بعد 18 فبراير وخصوصاً في ضوء ما سيتكشّف عن لقاء ترامب – نتنياهو غداً في ما خص ملفات لبنان وغزة وسوريا والأهمّ أيضاً إيران وكيفية التعاطي معها هل بعصا الضغط الأقصى فقط أم أيضاً بـ «ضغط على الزناد».
الحكومة العتيدة
وفي هذا الوقت، تتكشّف تباعاً «صندوقة بريد» الاندفاعة الأهلية من بيئة «حزب الله» جنوباً والتي رَبَطَها خصومه منذ انطلاقتها باعتباراتٍ داخلية تتّصل بمسار تشكيل الحكومة العتيدة ومحاولة تأكيد أن التوازنات السياسية لم تختلّ بفعل الميزان العسكري للحرب وانتكاسة الحزب فيها، وسط اعتقادٍ لدى خصوم الأخير بأنه مازال يعيش حال إنكارٍ للتحولات الجيو – السياسية في المنطقة ويظنّ أن بالإمكان تكرار تجربة ما بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في أبريل 2005 حين «انحنى أمام العاصفة» وصولاً لتبنّي شعار الـ 10452 كيلومتراً مربعاً للرئيس بشير الجميل، بمعنى أنه يراهن على إمكان تقطيع الوقت هذه المرة أيضاً و«احتواء الصدمات» وحتى «كيّ الجروح» لمعاودة ترميم نفسه وقدراته من ضمن سعي إيران لإحياء قوس نفوذها ولو من بوابة فوضى يُخشى أن تطلّ برأسها في «سوريا الجديدة».
علي فياض
وعبّر نائب «حزب الله» علي فياض بوضوح عن بعض ما في هذا «الصندوق» إذ أعلن أن «من المفترض أن تُقرأ حركة الأهالي في المنطقة الحدودية جيداً، للتذكير أن حزب الله لا يزال الأوسع شعبية على الساحة اللبنانية، وأن بيئة الثنائي حركة أمل – حزب الله، هي الأكثر دينامية وحضوراً واستعداداً لمواكبة التحديات وتقديم التضحيات في مواجهة المخاطر، وأن هذه البيئة باتت أكثر تشبثاً بخياراتها ومقاومتها وقياداتها».
إضعاف «حزب الله»
وأكد أن «هذه القاعدة الشعبية العريضة سترفض وتتصدّى، ولذلك نرى المسار الذي يسعى الخارج إلى تكريسه ويلاقيه في ذلك مجموعات وقوى في الداخل اللبناني، تحت رزمة تقديرات غير واقعية وخطيرة، لإضعاف حزب الله وإقصائه ومنع تأثيره المشروع على السلطة ومؤسساتها وفق الشراكة الوطنية بما فيها الحكومة التي يَجري تشكيلها، والدفع باتجاه تعيينات وتشكيلات في مفاصل الدولة تفتقد التوازن الذي يفرضه منطق الدولة، وبخلفية الاقتصاص ومعاداة المقاومة ومحاباة الخارج».
وعَكَس كلام فياض في أحد جوانبه مناخات التعثّر التي مازالت تعترض تشكيل الحكومة العتيدة التي تبدو ولادتُها حتى الساعة عَسيرة في ضوءِ حرص «حزب الله» على أن تأتي في تركيبتها وتحديداً في الحصة الشيعية «مستنسَخةً» عن مرحلة ما قبل الحرب وبما يعكس «صفر تأثير» لخسائره على «تمكينه» في السلطة وفي «لبنان الجديد»، وهو ما لن يسلّم به الخارج (كما الداخل) المتحفّز لمدّ يد الدعم لـ «بلاد الأرز» بناء على مواصفاتٍ يَعتبر أن انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام تأليف الحكومة يعبّران عنها ولا يمكن القبول بما دونها في تشكيلةٍ وزارية ستكون وحدها «جواز العبور» إلى مرحلةٍ من النهوض برعاية المجتمعين العربي والدولي.
الزخم الكبير
وتُبْدي أوساط سياسية خشيةً من استنزاف الزخم الكبير الذي أحدثه انتخاب العماد جوزف عون وتكليف سلام بحال عَلِق تشكيل الحكومة في مزيد من التعقيدات، معتبرةً أن الوجه الآخَر لمعاندة «حزب الله» الاعتراف بالخسائر ومترتباتها هو عدم تصديق الآخَرين أنّهم في مقلب الفائزين بالنقاط والتصرّف تالياً على هذا الأساس وبعيداً من إفراطٍ في المداراة قد يفرّط بفرصة لن تتكرّر للبنان للخروج من «منطقة الأعاصير» إلى شاطئ الرخاء والازدهار بشروط الدولة والقرارات الدولية الناظمة للسلاح خارج الشرعية، وأيضاً بعيداً من تكرار أخطاءِ «واقعيةٍ زائدة» طبعتْ مرحلةً من الواقع اللبناني وارتدّتْ على أصحابها والبلد وإن اتخذت هذه المَرة لبوس «المرونة».
التفلت الأمني
وحذّرت الأوساط نفسها من مَعاني تزايُد مظاهر التفلت الأمني في الأيام الأخيرة، وبينها جريمة قتل نائب مطران الأرمن الأرثوذكس الأرشمندريت أنانيا كوجانيان المكلف إدارة شؤون الطائفة في زحلة وعنجر داخل منزله في بصاليم – المتن طعناً على يد عامل سوري كان يعمل في دهان منزله بدافع السرقة، وصولاً إلى جريمة دهس مراهِق في منطقة فاريا فجر أمس من شابٍ بعد خلاف على أحقية مرور، وليس انتهاء بإطلاق النار على سيارة خادم رعية مار أنطونيوس البدواني للموارنة في الكرك (زحلة) الأب ايلي بشعلاني أمام منزله المريجات وذلك بعد مناورة (خلال عودته من بيروت) بينه وبين سيارة رباعية الدفع لونها أسود ذات زجاج داكن.