45 مليون دولار “ايصالات” نصرالله في الكويت
قرّرت دولة الكويت إسقاط الجنسيّة عن 11 شخصاً متّهمين بتمويل “الحزب”، وذلك بناء على مادّة في القانون تُجيز ذلك في حال صدور حكم يدين الشخص في جرائم “تمسّ ولاءه لبلاده”.
“أساس” ينفرد في هذا التقرير بكشف تفاصيل الحكم الذي يتضمّن “خطّ سير” الأموال وطرق الالتفاف على النظام الماليّ الكويتي، وخفايا اللقاءات التي عقدها بعض المتّهمين مع الأمين العامّ لـ”الحزب” الراحل حسن نصرالله بين 1997 و2015، والأساس الذي حصلوا وفقه على إيصالات ممهورة بتوقيعه.
من المُسلّم به أنّ “الحزب” يتلقّى الجزء الأكبر من تمويله من إيران منذ نشوئه في 1982. لكنّ هناك مصادر أخرى طالما ظلّت غير مرئية، بعضها مُرتبط بـ”المسار الديني” من زكاة وأخماس (جمع خُمس) من دول عربية وغير عربية. أحد هذه المصادر هي الكويت، الدولة الخليجية الغنيّة التي يُشكّل الشيعة جزءاً من نسيجها، وقسمٌ قليلٌ منهم ارتبط بشكل أو بآخر بـ”الحزب” وإيران.
من هؤلاء 11 كويتياً وإيرانيَّان اثنان صدر حكم من محكمة التمييز الكويتية في 13 كانون الثاني 2025 بسجنهم 3 سنوات وتغريمهم حوالي 90 مليون دولار، بعد إدانتهم بتمويل “الحزب”، المُصنّف جماعة إرهابية في الخليج، بمبالغ وصلت إلى حوالي 45 مليون دولار على مدى 28 عاماً.
يسرد الحكم، الواقع في 24 صفحة، تفاصيل الاتّهامات، وكيفية تشكيل المتّهمين لجنة اسمها “لجنة الإمام الحسين” لجمع التبرّعات والأموال وإرسالها “بطريقة مباشرة وبشكل غير مشروع” إلى “الحزب”، ويعتبر أنّ أغراض “الحزب” هي “نشر مبادئ ترمي إلى هدم النظم الأساسية بطرق غير مشروعة، والانقضاض بالقوّة على النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم بالبلاد”.
اللافت أنّ محكمة التمييز خالَفَت تماماً الحكمين السابقين الصادرين عن محكمتَي أوّل درجة (7/3/2023) والاستئناف (12/7/2023)، اللتين حكمتا بالتبرئة، واعتبرت أنّ عدم اطمئنانهما لأدلّة الثبوت “جانَبَه الصواب”، وأوردت أنّها استطاعت من خلال الأقوال والاعترافات والتحرّيات أن “تطمئنّ” للأدلّة “لترتسم في وجدانها الصورة بالدليل الصحيح”.
الجمع والإرسال
تتلخّص الوقائع الواردة في الحيثيات بأنّ بعض المتّهمين كانوا يجمعون الأموال “نقداً دون ترخيص”، والبعض الآخر يقوم بتسلّمها لإيصالها إلى كيانات مرتبطة بـ”الحزب”، مثل “مؤسّسة الشهيد” و”لجنة الإمداد”، “عبر تحويلات مالية من خلال أشخاص وشركات صيرفة تقوم بعمليات لا يمكن تتبّعها من قبل الجهات الرقابية خارج إطار القنوات الماليّة الرسمية للتحويلات الخارجية بالدولة”.
رأت المحكمة أنّ ذلك أدّى إلى “تعريض الدولة لمخاطر أمنيّة واقتصادية، والإضرار بمركزها الماليّ، وتصنيفها الائتمانيّ”.
ورفضت المحكمة دفوعهم بأنّ عملهم كان خيريّاً بالنظر إلى الطرق غير القانونية التي سلكوها في جمع وإرسال الأموال والمنقولات، إذ قام أحد المتّهمين بـ”إنشاء نظام على جهاز الحاسب الآلي لتأمين نشاطهم، يتمّ من خلاله حفظ كلّ البيانات (…)، وأضفى على النظام السرّية بحيث لا يطّلع على تلك البيانات إلّا من هو مُخوّل من قبلهم من خلال أرقام ورموز سرّية وأكواد تعريفية”.
اللّقاءات مع نصرالله
دلّت تحرّيات أمن الدولة على أنّ 10 من المتّهمين لم يكونوا من المتعاطفين أو ممّن يرسلون الأموال أحياناً وحسب، بل هم أعضاء في “الحزب” الذي وصفه الحكم بأنّه “يمارس أنشطة إرهابية من خلال تنظيم مُسَلَّح يُسَيْطِر على منطقة الجنوب اللبناني، ويعمل لمصلحة الجمهورية الإيرانية، ويعتنق مبادئ ثورتها، التي تهدف إلى هدم النظم الأساسية في دولة الكويت وغيرها من الدول الإسلامية، والانقضاض على النظم الاجتماعية والاقتصادية القائمة فيها بطرق غير مشروعة، وذلك باستهداف وتفجير المنشآت الحكومية والحيوية، واستخدام العنف والإرهاب ضدّ سُلطات الدولة والأفراد”، مشيراً إلى أنّ “تلك الجماعة كانت ضالعة في العديد من الأحداث الإجرامية السابقة في دولة الكويت، وقد اعتنق المتّهمون السالفو الذكر مبادئ ذلك التنظيم، وهم على تواصل دائم مع قادته، والتقى بعضهم بالأمين العامّ لـ”الحزب” (…) حسن نصرالله أكثر من مرّة، وبصفة شخصية، على الرغم من أنّه محاط بنظام أمنيّ شديد يحول دون لقائه بأيّ شخص ليست له صلة بـ”الحزب”.
كانت التحويلات تتمّ خلال حوالي 28 سنة “وفق نهج مستمرّ متكرّر”، و”دون مرورها عبر الأنظمة الماليّة الرسمية للدولة (الكويتية)، وكان ذلك عن طريق حوالات موازية بديلة غير مسجّلة وغير رسمية، وبغير ترخيص من الجهات المختصّة، بهدف إخفاء مصدر تلك الأموال والمستفيد الفعليّ منها”.
إلى ذلك عُثر مع المتّهمين أثناء ضبطهم على “مبالغ نقدية من عملات مختلفة، وقطع ومشغولات ذهبية، وهواتف، وأقراص مرنة”، إضافة إلى “إيصالات تسلّم نقدية تحمل توقيع الأمين العامّ لـ”الحزب” حسن نصرالله تفيد بتسلّمه مبالغ مالية نقداً بصفته وكيلاً عن المرجعيّات الدينية”.
تفاصيل التّحقيقات
1- المتّهم الأوّل قال في التحقيقات إنّ لديه وكالة شفهية منذ عام 2015 من المرجع الديني علي خامنئي لتسلّم أموال الخُمس وتحويلها خارج الكويت.
2- المتّهم الثاني قال إنّه مؤيّد لـ”الحزب” منذ 1990 وإنّ لديه وكالة شفهية منذ عام 2014 من المرجع الديني علي السيستاني لتسلّم أموال الخُمس وتحويلها خارج الكويت أيضاً. وقال إنّ الأموال التي يرسلها تتعلّق بكفالة 1,200 يتيم تابعين لمؤسّسة الإمداد، وإنّه التقى نصرالله عدّة مرات في الفترة من 1997 حتى 2006، وكان اللقاء الأخير في 2015.
3- المتّهم الثالث عُثر في غرفة نومه على مبلغ 210 آلاف دولار وإيصالات ممهورة بتوقيع الأمين العامّ لـ”الحزب”.
4- المتّهم الرابع قال إنّه التقى نصرالله في بيروت مطلع عام 2000.
5- المتّهم الخامس قال أيضاً إنّه التقى بنصرالله مرّتين في عامَي 2000 و2002.
6- المتّهم السادس قال إنّه مؤيّد لـ”الحزب” منذ نشأته في الثمانينيات.
7- المتّهم السابع قال إنّه التقى بالأمين العامّ لـ”الحزب” في عام 2006.
8- المتّهم الثامن عُثر في غرفة نومه على ذاكرة إلكترونية تحتوي على نسخة من جميع البيانات المتعلّقة بتحويل الأموال. وذكر في التحقيقات تفاصيل المبالغ المحوّلة إلى لبنان، ومن بينها “ما أُرسل من الأخماس للأمين العامّ لـ”الحزب” بصفته وكيلاً للمرجعين الدينيَّين السيستاني وخامنئي خلال الفترة من شهر كانون الثاني عام 2017 حتّى شهر تشرين الأوّل عام 2021″، وهو مبلغ من حوالي 6 ملايين دينار كويتي، أي حوالي 19.4 مليون دولار.
في حين لم يتمّ ضبط المتّهم التاسع (الوحيد الهارب)، تمّ توقيف المتّهمين الآخرين (الـ10 الـ11 والـ12 والـ 13) أمام منازلهم أو أثناء محاولتهم الهروب عبر المطار.