حذار إهمال ملاحظات مجلس التعاون الخليجي وشروطه
في الوقت الذي سُلّطت الأضواء على التحرّك الغربي عموماً، والأميركي تحديداً، لمعاونة لبنان على الخروج من مسلسل الأزمات التي تعصف به، يغفل البعض الحديث عن الحراك العربي، والخليجي تحديداً، بعدما حقّقت الضغوط الخارجية من كل الجهات بعضاً مما هو مطلوب لإعادة تكوين السلطة بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف من يشكّل الحكومة الجديدة. وهو أمر يجدر التوقف عنده للبحث عمّا يمكن أن ينتشل لبنان من الحفرة العميقة وتسهيل الخطوات لإعادة الإعمار. وهو ما يستدعي لفت النظر إلى بعض المؤشرات الخطيرة ومنها.
في موازاة الزيارات المكثفة للموفدين العرب والغربيين والدوليين المعلن عنهم، أو أولئك الذين يقومون بالادوار والمهمات الصامتة، تجاهل البعض زيارة وفد خليجي قد تكون هي الأهم بالنسبة إلى توجيه الأنظار إلى ما هو مطلوب من لبنان ليعود إلى حاضنته العربية في موازاة العودة إلى المجتمع الدولي. وهي تلك الزيارة التي قام بها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، مستظلاً بزيارة وزير خارجية دولة الكويت عبدالله اليحيا، بما تعنيه زيارته بالإنابة عن شخصه وما كان للكويت من أدوار مهمّة في أوقات سابقة أنقذت لبنان من مآزق متعددة، ولا سيما منها تلك التي عاشها قبل عامين لفك العزلة الخليجية جزئياً عن لبنان. وهي زيارة لم يتوقف عندها كثر من المراقبين والمحللين وإيلاءها الأهمية التي تستحقها في ظل ما هو مطلوب من اللبنانيين للخروج مما هم فيه منذ سنوات عدة، قبل أن تتفاقم الأزمات وتتعدّد وجوهها العسكرية والأمنية التي زادت من حراجة الوضع الاقتصادي والسياسي عقب حرب “الإلهاء والإسناد” وما انتهت إليه من ترددات سلبية وخطيرة.
فإلى الزيارات المتعددة للمسؤولين الغربيين التي تَقدّمها كل من رئيسي قبرص نيكوس خريستودوليدس وفرنسا ايمانويل ماكرون، شهد لبنان زيارات المسؤولين الكبار من الكويت ومصر وآخرين إيرانيين وعراقيين، في وقت تنتظر بيروت زيارات أخرى في الساعات المقبلة، كمثل الزيارة المرتقبة لنائبة المبعوث الأميركي الخاص للسلام إلى الشرق الاوسط، ورئيسة لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية السيدة مورغان اورتاغوس التي ستتولّى المهمّة التي كان يقوم بها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين من قِبل القيادة الأميركية الوسطى للجيش الأميركي لجهة مراقبة تنفيذ تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 قبل إنهاء خدماته لمجرد انتهاء عهد الرئيس جو بايدن. ويُضاف إليها ما كان منتظراً القيام به لجهة تظهير وتثبيت الحدود البرية مع فلسطين المحتلة بين البلدين، المتوقعة بعد تثبيت وقف النار في الجنوب وضمان تكرار تجربة الترسيم البحري.
وإن كانت هذه الزيارات قد أخذت حقها من منطلق ما تناولته من قضايا حيوية، ولا سيما منها تلك الخاصة بإطلاق برامج دعم الجيش والمؤسسات العسكرية لتقوم بالمهمات التي أُنيطت بها بموجب تفاهم 27 تشرين الثاني، فإنّ من الأهمية بمكان التنبّه إلى العناوين المتصلة بشؤون الإنماء والإعمار والدعم المالي والإقتصادي والاستثمار بوجوهه المختلفة التي أُلقيت على عاتق دول الخليج.
ومن هذه الزاوية بالذات، ينبغي التوقف أمام ما انتهت اليه زيارة وزير الخارجية الكويتي، لمجرد أنّه اصطحب معه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، لأنّها أحيت في أذهان بعض المراقبين المشاريع والخطوات التي تعهّد بها لبنان ولم ينفّذها عندما وافق على مضمون “الورقة الكويتية” التي حملها إلى بيروت وزير الخارجية الكويتي السابق مطلع كانون الثاني 2022، وأنهت جزئياً المقاطعة السعودية والخليجية التي تسببت بها التداعيات الخطيرة لعمليات تهريب الليمون والرمان والشاي المخدّر إلى المجتمعات السعودية والإماراتية والكويتية والبحرين، والتي ألقى مسؤولوها التبعة على لبنان لمجرد تحوله معبراً للكبتاغون السوري.
وعليه، فقد جاء تذكير الأمين العام لمجلس التعاون بها، ليحيي المخاوف من أي دعسة ناقصة يمكن ان تؤدي إلى تسهيل اعمال هذه الشبكات مجدداً، قبل الانتقال إلى البحث في آليات مساعدة اللبنانيين للخروج من أنفاق أزماتهم الاقتصادية والإنمائية والإعمارية. وكل ذلك يجري في مرحلة تستوجب صدقية المسؤولين اللبنانيين للتعهد مجدداً بما طالبت به تلك الورقة التي أعاد المسؤول الخليجي التذكير بها. عدا عن توفير افضل الظروف التي تعيد الخليجيين إلى لبنان، في مرحلة باتت تُحتسب بالأشهر لا بالسنوات، إن كانت النية صادقة لدى المسؤولين اللبنانيين لإعادة إعمار ما تهدّم جراء العدوان الإسرائيلي الذي استدرجته الحرب، والتي لم تقتصر أضرارها على عشرات المدن والقرى الجنوبية والبلدات البقاعية كما الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق متعددة تتوزع بين مناطق اهدن وعكار وجرود جبيل وكسروان وإقليم الخروب والشوف، ما يعني أنّها شملت مختلف المناطق اللبنانية ولم تقتصر على البيئة الحاضنة لـ”حزب الله” والمقاومة.
ولتذكير أصحاب الذاكرة المثقوبة، فإنّ زيارة البديوي أحيت الشروط الخليجية السابقة التي تناولتها “الورقة الكويتية”، واكّدها مجدداً البيان الختامي للاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري الذي عُقد في الكويت قبل ايام من زيارة الوفد لبيروت بشأن دعم الجهود الدولية التي ساهمت في انتخاب رئيس الجمهورية والإسراع في تشكيل الحكومة توصلاً إلى الاصلاحات المطلوبة التي تعيد الخليجيين إلى لبنان وتعزز الثقة وكل أشكال التعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون ودعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ الأمن وتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية. وهي شروط تحيي مطالبتهم بالتزامات لبنان لجهة تطبيق قرارات مجلس الأمن في شأن لبنان، ولا سيما منها القرار 1701 واتفاق الطائف، كوسيلة ضامنة “لاستعادة الأمن والاستقرار الدائم في لبنان وضمان احترام سلامة أراضيه واستقلاله السياسيّ وسيادته داخل حدوده المعترف بها دولياً، وبسط سيطرة الحكومة على كل الأراضي اللبنانية. وكل ذلك معطوفاً على التزامات لبنان لكل ما يعيده “نقطة انطلاق للإرهاب او تهريب المخدرات وتهديد أمن المنطقة”.
عند هذه الملاحظات اكتفت المراجع التي أعادت التذكير بالشروط الخليجية، لتلفت نظر الجميع إلى انّ هامش المناورة أمام اللبنانيين قد ضاق إلى الحدود القصوى. وكما يجب الأخذ في الاعتبار لكل التحذيرات الدولية لضمان الأمن في لبنان عليهم تجديد التعهد بالتزاماتهم تجاه دول مجلس التعاون لضمان الانتعاش والتعافي الاقتصادي.