هل تدفع الحسابات الخاطئة «الحزب» إلى معاودة اللعب على حافة الهاوية؟

هل تدفع الحسابات الخاطئة «الحزب» إلى معاودة اللعب على حافة الهاوية؟

المصدر: الراي الكويتية
31 كانون الثاني 2025
– عبدالعاطي في بيروت اليوم… وحكومياً «العصمة» بيد عون وسلام؟

خَرَقَتْ أول مسيّرة يُطْلِقُها «حزب الله» في اتجاه اسرائيل منذ سريان اتفاق وقف النار في 27 نوفمبر الماضي المشهدَ اللبناني الذي يتقاسمه «مناصفةً» ملفا الجنوب الذي عاد إلى دائرة التوتر والغموض مع بدء نفاذ تمديد هدنة الـ 60 يوماً (حتى 18 فبراير) وسط مؤشراتٍ إلى استعادة مناخات «اللعب على حافة الهاوية»، وتشكيل الحكومة الذي يُدار بما يَمنع أن تعود «من النافذة» قواعد تأليف سادَ أنها «خرجتْ من الباب» مع انتخابِ الرئيس جوزف عون وتكليف الرئيس نواف سلام ووضْع لبنان على سكةٍ جديدة يراقبها الخارج بعنايةٍ ولا مكان فيها لتوازناتٍ قلبتْها التحولات الجيو – سياسية العميقة في الإقليم، ولا لمحاصصاتٍ من النوع الذي يجعل الحكومة مجدداً أشبه بـ «بيت بمنازل كثيرة» ويُحْبِط باكراً النهج الإصلاحي الموعود.

اعتراض مسيرة

وشكّل إعلانُ الجيش الإسرائيلي أمس، اعتراضَ مسيّرةٍ لجمْع المعلومات أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان نحو الأراضي الاسرائيلية «حيث لم يتم تفعيل إنذارات وفق السياسة المتبعة»، مؤكداً «لن نسمح بحدوث أنشطة إرهابية لحزب الله من لبنان وسيتحرّك جيشنا لإزالة كل تهديد على دولة إسرائيل ومواطنيها»، معطى بارزاً في سياق المرحلة الجديدة التي دخلتْها الهدنة منذ تمديدها بموافقة لبنان الرسمي وإعلاء الحزب بإزائها «غير معنيين بها».

وبعدما كان «حزب الله» َترْجَمَ عدم تسليمه بالهدنة الممدَّدة عبر الضغط على زناد «السلاح الشعبي» الذي نَجَحَ من خلاله في انتزاع صورة «القيادة» لمسار العودة إلى العديد من القرى التي كانت اسرائيل احتلّتْها خلال الحرب (وحتى تمدّدت إليها في فترة الستين يوماً) في غفلةٍ من «وَقْتٍ ميت» بين انتهاء فترة الستين يوماً والتفاهم على «وقتٍ إضافي»، جاءت مسيّرة يوم أمس لتؤشر إلى محاولةٍ لرفْع منسوب الضغط المتعدد الجبهة والاتجاه لإعطاء إشارةٍ من جهة لمَن يعينهم الأمر محلياً وخارجياً إلى أن الحزب غير قابِل للإضعاف داخلياً رغم خروجه منهَكاً من الحرب، وأن تل ابيب ليست وحدها مَن يمكنها التنصّل من مندرجات المرحلة الأولى من اتفاق 27 نوفمبر وأن عدم الموافقة على الهدنة – 2 له ترجماته التي بدأت والقابلة لـ «التطور» خصوصاً بحال لم تلتزم اسرائيل بالاسنحاب الكامل بعد 18 يوماً.

«الحشد الشعبي»

وفي حين يستعدّ «حزب الله» ليومٍ جديد من «الحشد الشعبي» بعد غد في مسعى لدفع اسرائيل للانسحاب من نحو 20 بلدة ما زالت تحتلّها (وخصوصاً في القطاع الشرقي من الجنوب وبعض الأوسط) وتَستخدم الأيام الجديدة من الهدنة لتحويلها ركاماً و«منطقة يستحيل العيش فيها» بما يجعلها بحُكم الأمر الواقع «شريطاً ميتاً» ما لم تنجح تل أبيب في فرض منطقة عازلة تترجم خسائر الحزب في الحرب، فإنّ «رسالةَ المسيَّرة» اعتُبرت عسكرية على عكس ما انطوت عليه «الحركة الأهلية» من أبعاد فُسِّرت غالبيتها على أنها ذات صلة بالداخل اللبناني وملف تشكيل الحكومة وتحديداً لجهة إعلاء «نحن هنا» ومحاولةِ استرداد ما أمكن من «تَوازنٍ» يرتكز عليه للحفاظ على حصته الوزارية (مع الرئيس نبيه بري) كما كانت وفق «ميزان» ما قبل الحرب الذي كان يميل بالكامل إلى المحور الإيراني.

سوء تقدير جديد

وتعرب أوساط سياسية عن خشيةٍ من سوء تقدير جديد من «حزب الله»، على غرار الحسابات الخاطئة التي زجّتْه ومعه البلاد برمّتها في حرب كأنها «كل الحروب» التي شنّتْها اسرائيل على لبنان بمستوى الدمار الذي تَسبّبت به ومحا مناطق عن «وجه الأرض»، لافتةً إلى أن الحزب لا بد أن يكون أدرك أن زمن فرض «توازن ردع» أو محاولة ذلك صار من الماضي منذ أن عُلّقت الحرب على قاعدة بقاء الاحتلال ستين يوماً (في نحو 65 بلدة والآن صارت الفترة 81 يوماً لِما بقي تحت الاحتلال)، على عكس حرب يوليو 2006 حين كان الانسحاب الاسرائيلي فورياً، وذلك بموجب اتفاق وقف النار الذي وافق عليه «حزب الله» وبري.

وتذكّر هذه الأوساط بأن اتفاقَ وقف النار يشكّل واقعياً في الغالبية الساحقة من مندرجاته «دفتر شروط» ومطالب برسم لبنان والحزب لجهة انسحابه من جنوب الليطاني (كان هذا المطلب قبل 27 نوفمبر مستحيلاً بلغة الحزب على قاعدة ان نقل نهر الليطاني إلى نقطة أخرى أسهل من إبعاد قوات الرضوان عن الحدود) وتفكيك بنيته العسكرية في هذه المنطقة (على أن ينتشر فيها الجيش اللبناني) ثم في كل لبنان ومنعه من إعادة تكوين مخزونه من السلاح، في حين يتعيّن على تل أبيب أن تدفع «من جيب لبنان» أي أن تنسحب من أراضيه وتعيد أسرى الحرب وتوافق على استئناف مفاوضات حول الحدود البرية والنقاط المتنازَع عليها والتي كان القسم الأكبر منها بُت قبل الحرب.

وتحذّر الأوساط نفسها من إعطاء بنيامين نتنياهو فرصةً للعودة إلى الحرب مع لبنان الذي بالكاد التقط أنفاسه وبدأ طريق نهوض شائك، داعية إلى الحذَر خصوصاً في ضوء ترقب نتائج زيارة نتنياهو للبيت الابيض الثلاثاء المقبل مدشَّناً اللقاءات الخارجية للرئيس دونالد ترامب منذ تنصيبه، ومعتبرةً أن الأخير الذي «كافأ» تل أبيب بمجرد وصوله بإلغاء الحظر عن تزويدها بقنابل زنة 2000 رطل ورَفَعَ مشروع «ترانسفير» لأهل غزة نحو مصر والأردن وكان لمّح في حملته الانتخابية إلى أن اسرائيل «صغيرة على الخريطة وفكرتُ مراراً في توسيع رقعتها»، قد لا يكون قادراً على ردعِ رئيس الوزراء الاسرائيلي عن أي خياراتٍ حربية جديدة تجاه لبنان بحال أعطي الذريعة خصوصاً أن ما قامت به باكراً الإدارة الترامبية بما فيها من رموزٍ داعمة بشراسة لتل أبيب يمكن أن يَجعل نتنياهو يعمق الشعور بالتفوّق وإن كان هذا يفترض أن يثير قلق إيران بالدرجة الأولى.

وفي هذا الوقت، يستمرّ الاحتضان العربي للبنان والذي تعبّر عنه الزيارات المتوالية، حيث يُرتقب أن يصل اليوم وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي حاملاً رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الرئيس جوزف عون.

وأعلنت السفارة المصرية في بيان أن الزيارة وهي الثالثة للوزير في الأشهر القليلة الماضية، «تهدف إلى تأكيد الدعم المصري للبنان بعد انتخاب الرئيس عون وتكليف الرئيس نواف سلام تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، حيث تحرص مصر على إعادة تنشيط التعاون بين البلدين الشقيقين في كل المجالات الاقتصادية والتنموية، فضلاً عن تعزيز التنسيق السياسي بين البلدين».

وأشار السفير المصري علاء موسى الى ان «وزير الخارجية سيجري العديد من اللقاءات بعد لقائه الرئيس عون تشمل الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس المكلف نواف سلام، ونظيره اللبناني عبدالله بوحبيب، فضلاً عن بعض اللقاءات مع القيادات الروحية والسياسية اللبنانية»، مؤكداً أن «الزيارة هي بداية لمرحلة جديدة تهدف من خلالها مصر إلى تعزيز التعاون مع لبنان في مختلف المجالات والارتقاء بالتعاون الاقتصادي والثقافي إلى مستوى استراتيجي يتناسب مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين».

وفي السياق نفسه، وُضعتْ زيارةُ الأمير يزيد بن فرحان، المكلف الملف اللبناني في الخارجية السعودية، والذي ذَكرت تقارير أنه يفترض أن يكون وصل الى بيروت مساء أمس، بعدما كان رافق وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان في محطته في بيروت الأسبوع الماضي.

ويسود اقتناعٌ بأن الرياض والقاهرة، اللتين تشاركان في مجموعة الخمس حول لبنان (مع الولايات المتحدة وفرنسا وقطر) التي بدأت عملها إبان الشغور الرئاسي وما زالت تواكب اكتمال حلقات التغيير من خلال ما سترسو عليه الحكومة العتيدة، ستسعيان الى حضّ اللبنانيين على عدم الغرق مجدداً في «رمال متحركة» من محاصصات أو «إنكار للوقائع الجديدة» بما يمكن أن «يبتلع» الفرصة الذهبية لـ «بلاد الأرز» لأن تكون على خط الشرق الجديد عوض خطوط الزلازل وصفائحها الساخنة.

«الملف الحكومي»

وبرزت أمس إشاراتٌ متجددة إلى أن تعقيدات الملف الحكومي ترتبط في جانب منها بمحاولة «حزب الله» – عبر التمسك (وبري) بشروط الاحتفاظ بوزارة المال ولياسين جابر «ولا أحد غيره» وحتى الآن بكامل الحصة الشيعية (5 وزراء في حكومة 24) – الحصول على «بوليصة تأمين»، ليس فقط ذات طابع ميثاقي من خلال «التوقيع الثالث» في السلطة التنفيذية، بل أيضاً تتصل بما قد تقرره الحكومة ربطاً بمندرجات اتفاق وقف النار ومتمماته لجهة تطبيق القرار 1701 واحتكار الدولة السلاح على كامل الأراضي اللبنانية.

كما توقفت الأوساط السياسية عند ما أوردته «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر مطلعة على ما يجري في كواليس التشكيل ان الرئيس سلام «ليس في وارد ترك مصير حكومته في يدّ اي فريق من الأفرقاء السياسيين» وانه سيبقي «العصمة» الحكومية في يدي الرئيسين عون ونواف سلام، كاشفة انه «سيكون للرئيس وله وزير من كل طائفة أو على الاقل الطوائف الكبرى الأساسية حتى لا يحاول أحد في أي لحظة أن يسحب بساط الميثاقية من تحت الحكومة على غرار ما حصل في عهد الرئيس سعد الحريري حينما استقال من الحكومة كل الوزراء الشيعة فطارت ميثاقيتها. وعلى سبيل المثال، اذا كانت حصة الشيعة خمسة وزراء سيسمون أربعة بعد موافقته على الأسماء بطبيعة الحال، ويسمي الخامس هو أو رئيس الجمهورية وينسحب الأمر على سائر الطوائف فلا تتحكم أي منها بمصير الحكومة».