حراك الجنوبيين نسّقه “الحزب” الذي يضغط سياسيّاً
بقي “حزب الله” بعيداً عن التدخّل المباشر إثر دخول الجنوبيين إلى عدد من القرى التي لم ينسحب منها الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء مهلة الستين يوماً، لكنّ التحرّكات الحاشدة أخذت في طيّاتها أهدافاً سياسية اتضحت في مفاصل التموضعات الشعبيّة: أولاً، أكّدت كثرة المواكب التي قرّرت أن تطأ القرى، الفحوى التنظيمي للقرار الذي لم يكن ليتّخذه أي مواطن من تلقائه من دون تشاور سياسيّ الطابع. ثانياً، لا يمكن إغفال الجمهرة السياسية المناصرة لـ”حزب الله” التي تقصّدت الحشود إظهارها في إطلالتها، ما جعلها أشبه بتظاهرات سياسية محدودة مع شعارات وصور للأمين العام السابق لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. ثالثاً، مهاجمة الفريق الإعلاميّ المعارض لـ”حزب الله” وعدم السماح له بتغطية مجريات التطورات في القرى جنوباً. رابعاً، تحدّثت إحدى المصابات في نيران الجيش الإسرائيلي عن تكليف شرعيّ فرض كيفية تحرّكها بعد نزفها، ما أكّد أنّ التموضع نحو القرى دخولاً وخروجاً مدبَّر سياسيّاً. ولوحظ أن مقرّبين من محور “الممانعة” جاهروا علانية في أنّ تحرّك الأهالي نسّقه “حزب الله”. خامساً، التحرّكات الاستفزازية التي قام بها مناصرو “حزب الله” في الجميزة ومناطق ضمن بيروت في اليوم نفسه من خلال مواكب أطلقت شعارات حزبية وسبّبت بعض الحساسيّات.
إنّ الفوضى الحاصلة تحدو بوزير سابق في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى إلى المقارنة بين المرحلتين، مع قوله إن “حزب الله” ليس معنياً في المعارضة والموالاة إنما في السيطرة السياسية لكنه كان قويّاً بعد حرب 2006 مع معطى إقليمي لمصلحته فذهب بعيداً حينذاك فيما كانت الحكومة قائمة، لكنّه لن يستطيع ذلك حالياً وسط المتغيّرات الإقليمية بعد سقوط نظام بشار الأسد وتراجع النفوذ الإيراني. ويستنتج أن “حزب الله” يبحث حالياً عن حضور في الحكومة العتيدة للمشاركة في الإعمار، كما أنه يحاول مخاطبة بيئته الشعبية على أنه قويّ وقادر. لكنه لم يطلق رصاصة واحدة حدودياً رغم الضحايا والجرحى الذين أردتهم نيران الجيش الإسرائيلي.
يقول العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر لـ”النهار” إن “حزب الله حاول فرض إرادته على المجتمع اللبناني وعلى الدولة اللبنانية مستكملاً ما حصل في الجنوب فتحرّك في بيروت، وهذا ما يجب أن يتنبّه له الشعب اللبناني. إن الضغط الشعبي في الجنوب يصعّب تنفيذ الدولة للاتفاق ويضعف الموقف السياسي الوطني”. بحسب انطباعاته، “جعل “حزب الله” الناس كمتاريس من خلال توجّههم نحو القرى لكنه لا يستطيع أن يواجه حربياً، ومن الضروري له أن يتعظ من قوة إسرائيل التي دمرت قدراته وقادته”.
ويصرّح العميد الركن المتقاعد حسن جوني لـ”النهار” أنه “لا يمكن الفصل بين البيئة الشعبية وبين “حزب الله”، لأنها على صلة متينة به وما حصل نوع من التحفيز امتزج بإرادة الناس العفوية للذهاب في اتجاه القرى ربما مع إيعاز لأنه كان هناك نوع من التنظيم وهذا ليس سيئاً طالما أنّ الحركة سلميّة مع مفعول إيجابي، لأنّها حشرت الإسرائيلي وأجبرته على الخروج من بعض القرى”. ويفسّر أن “المواطنين لا يتحرّكون بهذه الأعداد باتجاه مناطق محتلة إلا بالتشاور مع مسؤولين في “حزب الله” وحركة أمل، لكن لا يشكّل ذلك استثماراً في الناس”. ويضيف حسن جوني أن “حزب الله ترك الأمر في الجنوب للجيش اللبناني ولن يتحرك عسكرياً”.