“طوفان العودة” وفقاعة الثنائي و”7 أيار”
لا يمكن أي مراقب أن ينكر شجاعة الجنوبيين في تحديهم الاحتلال الإسرائيلي ودخولهم قراهم عنوة عن الإرادة الإسرائيلية – الدولية، نهار الأحد. ومهما قيل في قراءة الحدث، فإن أهميته تكمن في الإرادة، إرادة أبناء الأرض التي تتجسد عند كل مفترق مصيري بعد وقف النار، من دون استدراك الخطر المحدق بهم، والذي أدى أمس إلى مقتل 22 مواطناً وإصابة المئات. وإذا كانت “حماس” نفذت “طوفان الأقصى”، فإن اللبنانيين نفذوا بالأمس “طوفان العودة”. هذه العودة التي لا تثنيها دبابات ومسيّرات وأبراج مراقبة، ولا تحذيرات وتهديدات.
ولكن بعيداً من العمل البطولي على المستوى الشعبي، لا بد من التوقف أمام نقاط عدة:
أولا: ثمة اتفاق مع لبنان يقضي بتمديد اتفاق وقف النار، مصحوباً بالانسحاب الإسرائيلي وسحب سلاح “حزب الله”، إلى 18 شباط/فبراير، لم يتم الإعلان عنه قبل الليل، في عملية تواطؤ مشبوهة بين الحكومة والحزب لإفساح المجال أمام الأخير من أجل استعراض قوته على الأرض.
ثانيا: ثمة تكليف شرعي فرض على الناس العودة والتعرض لإطلاق النار والموت تحت أي تسمية يشاء الدافعون إليه. وهذا التكليف استغلال لإيمان الناس البسيط، ولمشاعرهم الدينية، ولفقرهم وعوزهم، ولجعلهم أدوات لمشروع سياسي تحت شعارات دينية. وقد شاهد الجميع تلك السيدة النازفة التي تؤكد أنها لم تكن لتتوجه إلى قريتها من دون التكليف الشرعي الذي تعتبره ملزماً. والإلزام على هذا النحو، حتى في الدين، يجب أن يخضع للمساءلة، لأنه يلغي حرية الإنسان ويعرض حياته التي منحه إياها الله للخطر.
ثالثا: إن النهار العظيم بجرأة الناس واندفاعهم، وبفرحة عودتهم إلى قراهم، وربما بفضولهم للتأكد من وجود منازلهم من عدمه، أو ربما رغبة في البحث عن أثر لأحبة فقدوا وغابوا، والتأكد من شهادتهم، أو للعثور على بعض ذكريات من المقتنيات التي تعني الكثير لأصحابها، يبقى “فقاعة إعلامية” إذ ليس في وسع العائدين البقاء هناك، لعدم وجود منازل ومدارس ومتاجر، ولعدم توافر مقومات العيش من ماء وكهرباء واتصالات وبنى تحتية، أبرزها الطرق المؤهلة للسير عليها. والذين بلغوا بلداتهم، غادروها قبل حلول الظلام، وعادوا أدراجهم إلى حيث يقيمون في منازلهم الأخرى أو لدى الأهل والأقرباء.
رابعا: أفاد “الثنائي الشيعي” من “طوفان العودة” للاستثمار السياسي، بعدما بدا له أنه محاصر في الخارج كما في الداخل، إثر سلسلة من الهزائم التي مني بها، سواء في الحرب أو في الاتفاق مع إسرائيل، (يتهم الأهالي الدولة بالموافقة على الإذلال فيه، فيما أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إطلالة له الأسبوع الماضي أنه ترك أمر الاتفاق للرئيس نبيه بري، بالأصالة عن نفسه ومكلفاً من “حزب الله”، للتفاوض والموافقة، لأن الثنائي هو المعني الأول به، ولا يمكن الحكومة أن تتعهد بتنفيذه إذا رفضه الثنائي) وأيضا في انتخاب رئيس الجمهورية جوزف عون، وفي تكليف الرئيس نواف سلام تأليف الحكومة المنتظرة. وقد اعتبر الثنائي أن حراك الأحد يساعده في إعادة الإمساك بخيوط اللعبة من البوابة الجنوبية.
خامساً: إن المسيرات التي انطلقت ليل الأحد إلى مناطق ذات طابع مسيحي في عين الرمانة وفرن الشباك والدورة والجميزة، وكذلك في شوارع بيروتية سنية الطابع، ليست عفوية، وإنما تحركها غرف سوداء، تحمل رسائل إلى من يعنيهم الأمر، بأن الشارع ملك هذا الثنائي، وهو يملك القوة للتغيير، كما للتعطيل في السياسة، وان ذكرى “7 ايار” 2008، لا تزال ماثلة في حال استمرار التحدي.
لقد وضع الثنائي كل أوراقه على طاولة التفاوض الحكومي، وبعث برسالة إلى العهد الجديد، وأيضاً إلى عواصم القرار، مفادها أن المتغيرات لا يمكن أن تكون على حسابه، وأن في إمكانه إعادة خلط الأوراق، بل قلب الطاولة. وهذه الأمور ليست مدعاة فخر، بقدر ما تثير القلق من محاولات جرّ البلد إلى الوراء السحيق، وتزيد منسوب خوف الشركاء في البلد من مستقبل العيش معاً تحت سقف القانون، وفي انتظام عمل المؤسسات الشرعية.