معالم الظهيرة الحدودية اختفت: “مين بيعرف بيتنا وين كان؟”
لم تنس أديبة، ذات الصوت البدوي الفلاحي، ترداد مقاطع من أغنية المغني اللبناني جوزيف عطية، “من هون ما منفل، حصرم بعين الكل” بهل أرض رح منضل، ولو بقي خمس بيوت”. وقالت، والدمع يحتبس في عينيها: “حتى خمسة بيوت لم تبق في بلدتنا الحبيبة. فكل بيوتنا دمرها العدو الإسرائيلي. لكننا بإذن الله عائدون. ولن نترك أرضنا ولا زيتونها، الذي يكبر عمر دولة الكيان بعقود”.
اختفاء معالم القرية
من بين الجموع الواصلة إلى بلدة الضهيرة، إنطلاقاً من علما الشعب والجبين، كانت إمرأة تجول ذهاباً واياباً بين أهل بلدتها، وتسأل: “مين بيعرف بيتنا وين كان؟”. فيما كان آخرون من الاهالي، يبحثون تحت ركام منازلهم عن أثر وحنين وحاجيات وصور بالأبيض والأسود، كانت تزين جدران بيوتهم القديمة والحديثة.
من بين هذه البيوت منزل لطيفة المغيص. بيتها أحد أقدم المنازل في القرية، التي لا يتعدى سكانها الألفين وخمسماية فرد، جميعهم من عشيرة “عرب العرمشة”. ويقول حفيد المغيص، عدي عامر أبو ساري لـ”المدن”: “جئنا إلى محبوبتنا الضهيرة على الرغم من كل التحذيرات الإسرائيلية والتهديدات. بيت جدي يعود عمره إلى أكثر من ثمانين عاماً وقد سوي مع منازل أعمامي وكل أبناء البلدة بالأرض. بقي لنا الأرض ولا يوجد قوة في العالم تحرمنا منها. وعدنا اليوم لأننا أصحاب الأرض، ليس كحال عدونا، الذي يغتصب الأرض”.
لا تكمد وطية سويد، جرحها. تقول وهي جالسة على حجارة من بقايا بيتها: “بنينا منزلنا من شتلة الدخان المرة. كنا نأكل لقمتنا ونحن نشك التبغ. وكل هذا التعب، ذهب بلحظة، بعدما دمرت بيوتنا وبيوت أبنائنا. وتحتاج إلى سنوات لإعادة إعمارها من جديد”.
الدمار يلحق بالقرى المجاورة
لم يبق في الضهيرة إلا العشب الأخضر وبعض الأبقار حية التي تقتات منه، غير آبهة بالجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح.
نغادر الضهيرة إلى يارين. لكن حالها لم يكن بأفضل حال من جارتها الضهيرة ومروحين والبستان. هنا إستشهد عنصران من الجيش اللبناني بنيران العدو أثناء تقدم الجيش إلى ضواحي مروحين، متجهين إلى الجبين وشيحين، عبر طريق فرعي حولته الجرافات والدبابات إلى أرض محروثة.
عند أول الجبين، يطالعك على يسار الشارع، محطة المياه التي تتزود منها البلدة، وقد أصبحت أثراً بعد عين. فأقتلعت مضخات المياه والقساطل ودمر كل ما هو حولها. ومن هناك نصل إلى الحارة القديمة في الجبين، حيث عمدت بعض العائلات إلى إنقاذ ما تيسر من فرش ومخدات وحرامات، من بين ركام المنازل، التي تناثرت حجراً حجراً على إمتداد هذه الحارة المبنية بحجارة صخرية دهرية.
لم يبق إلا شومر وهندباء
أمام منزله، قبّل الحاج أبو فضل عقيل الأرض، بعد غياب قسري طال أكثر من 15 شهراً. وقال “أشهد أن لا إله الا الله أننا عدنا إلى بلدتنا، على الرغم من كل الخسارات التي منينا بها. لم يكن أحد لديه الأمل بالعودة الى هذه الأرض، لكن صمود وبطولات المقاومين، كان لها الفضل بما نحن فيه”. وأضاف “سنعيد بناء بيوتنا، وإذا لم يسعفنا العمر، فإن أبناءنا وأحفادنا سيعيدون بناء البيوت أحسن مما كانت عليه”.
قطفت مريم بشروش، ما نبت من شومر وهندباء في حديقة منزلها المدمر كلياً، وحملتها بكلتي كفيها. قالت بحرقة: “هذا ما تبقى لنا من بيتنا وأرزاقنا. لكننا نحمد الله أننا ما زلنا بخير. فالبيوت تعوض مهما بغلت تكلفتها، وأملنا كبير بأهل الوفاء والأوفياء”.
كغيره من أبناء بلدته الجبين، خسر أمين سر بلدية الجبين محسن عقيل منزله ومحاله عند مدخل البلدة. ومنازل هذه البلدة دمرت تدميراً كاملاً وشاملاً، ولم يتبق سوى بعضها، التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. كان يستخدمها جنود العدو كمراكز لهم، يبيتون فيها، مخلفين وراءهم مأكولات وعبوات مياه وصناديق ذخيرة فارغة. ويؤكد عقيل أن الجبين، كما جاراتها شيحين وشمع والبستان ومروحين والناقورة وعلما الشعب والضهيرة ويارين وغيرها، هي بلدات منكوبة ولا يوجد فيها مقومات للحياة على الإطلاق”. ويستدرك: “إراتنا قوية بإعادة إعمار قرانا وبلداتنا”.