![اهالي شقرا الجنوب «يوم العودة» إلى جنوب لبنان أغرقته تل أبيب بالدماء … فهل ينهار وقف النار؟](https://www.beirut24.org/wp-content/uploads/2025/01/اهالي-شقرا-الجنوب.jpg)
«يوم العودة» إلى جنوب لبنان أغرقته تل أبيب بالدماء … فهل ينهار وقف النار؟
– ماذا وراء هبّة العودة «غير الآمِنة» لسكان الجنوب وهل يسعى «حزب الله» لإحراج العهد الجديد؟
– الأحد الدموي إما يَفتح الطريق أمام تمديدٍ محدود الزمن لبقاء إسرائيل وإما المزيدُ من التوترات على حافة عودة الحرب
سؤالان لا ثالِث لهما أطلّا من خلف مشهد التوتّر الأعلى في جنوب لبنان الذي اهتزّ استقرارُه الهشّ أمس مع مجزرةٍ إسرائيلية على طريق العودة إلى قرى قررتْ تل أبيب في شكلٍ أحادي الجانب إبقاءها «وراء قضبان» الاحتلال، فسقط من أبنائها ما لا يقلّ عن 22 ضحية (بينهم 9 أطفال ومسعف) و124 جريحاً أمام بيوتاتٍ صارت مجدداً ركاماً من… دم ودمار.
… هل انهار اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل في اليوم الستين الذي كان يُفترض أن يشهد اكتمالاً لم يحصل للمرحلة الانتقالية، بسحْب تل أبيب جيشها إلى ما وراء الخط الأزرق، وإشراف بيروت عبر الجيش اللبناني على انسحاب «حزب الله» إلى شمال الليطاني وتفكيك بنيته العسكرية كاملة في جنوبه؟
أم أن غضبةَ أهالي نحو 63 بلدة، كرّستْ إسرائيل حظْرَ الدخول إليها بعدما مدّدتْ احتلالَها لها ومن دون تحديد «صلاحية انتهاءٍ»، ستكون أقرب إلى «عاصفة وتمرّ» رغم الدماء التي سالتْ، بحال تمّ التوصل سريعاً إلى تَفاهُم على وهج بعض التراجعات الإسرائيلية من عدد من القرى على «قوْننةِ» فترةٍ جديدة من بقاء الجيش الإسرائيلي في مناطق محددة من ضمن ملحقٍ لاتفاق 27 نوفمبر تتولى ترتيبَ إمراره إدارةُ الرئيس دونالد ترمب ويجد لبنان نفسه مضطراً لتجرُّعه تَفادياً لحربٍ تتجدّد وهذه المرة على مسرحٍ جيو – سياسي عصفت به تحوّلاتٌ كبرى وُضع المحور الإيراني و«حزب الله» في مهبّها؟
ويرتكز السؤالان اللذان يؤشران إلى عودة جبهة الجنوب إلى دائرة «خطر الاشتعال» العالي على خلفيتيْن للمشهدية البالغة الحساسية التي ارتسمت أمس وراوحت بين حدين:
* الأول هو الخلفية «الظاهرة» المتمثّلة في استحقاق انقضاء مهلة الستين يوماً من دون أن يكون رعاة اتفاق 27 نوفمبر، ولجنة الإشراف الخماسية على تنفيذه (تترأسها الولايات المتحدة عبر جنرال أميركي وتضم ضباطاً من فرنسا واليونيفيل إلى جانب لبنان وإسرائيل) وفّروا «بوليصة تأمين» لتغطية خرق إسرائيل مضامين الاتفاق في الشق المتعلق بفترة الشهرين للانسحاب، ما جَعَلَ الأهالي التواقين للعودة إلى شريط من القرى الحدودية التي غادروا القسم الأكبر منها منذ بدايات «طوفان الأقصى»، يصرّون على دخولها ما أن دقّت «ساعة الـ 60» وأياً تكن النتائج بهدف استعادة الأرض وتفقُّد المنازل وحتى ضمان انتشال جثامين مازالت تحت الأنقاض لمفقودين.
حركة الأهالي «مدفوعة»!
– والحدُّ الثاني هو أن حركةَ الأهالي «مدفوعة» من الخلف من «حزب الله» على قاعدة «نحن هنا» لمحاولة «إصابة أكثر من حجر» بينها:
– الضغط لتحقيقِ الانسحابِ من دون أي تمديدٍ وذلك لقطْع الطريق على أي أهداف لتل أبيب من نوع إقامة منطقة عازلة على امتداد الحدود الجنوبية للبنان (من القطاع الغربي في الناقورة حتى الشرقي في كفرشوبا مروراً بالقطاع الأوسط) سواء تحت عنوان ضمان أمن شمال إسرائيل أو ربما لاستخدام ذلك ورقة لمزيدٍ من الدفع نحو تطبيقِ كل اتفاق وقف النار بروحيته وبنوده ذات الصلة بتفكيك البنية العسكرية لحزب الله حتى في شمال الليطاني.
– محاولة بعْث الحياة من جديد في سردية «الجيش والشعب والمقاومة» والدفع في اتجاه إحراج العهد الجديد الذي كان حاسماً في تحديد «خيار الدولة والجيش»، وهو العهد الذي ورث اتفاقاً أساء الثنائي الشيعي، حزب الله والرئيس نبيه بري، التفاوض عليه كما أساء إدارة الحرب التي زج لبنان بها.
توظيف مشهدية الأحد
وثمة من يعتقد أن الثنائي سيسعى إلى توظيف مشهدية الأحد وتسييلها في غمرة مساعي الرئيس المكلف نواف سلام المستمرة لتشكيل حكومةٍ بمواصفات المرحلة الجديدة التي عبّر عنها انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية في 9 يناير الجاري، وسط إصرار الغالبية الصريحة من القوى السياسية على رفْض أي استعادةٍ في بيانها الوزاري لمعادلاتٍ تغطي دور «حزب الله» العسكري تحت عنوان «المقاومة»، وحتى على أن تكون التركيبة الحكومية بتوازناتها وطبيعتها ورفض الامتثال لإصرار بري والحزب، وبخلفية «التوقيع الميثاقي» في السلطة التنفيذية على أن تبقى حقيبة المال من حصتهما.
وبمعزل عن هاتين الخلفيتين المتشابكتين، فإنّ آفاق اليوم التالي للأحد الدموي بدت محكومةً بكيفية تَعاطي إسرائيل مع المعطى المفاجئ الذي فاجأ قواتها في جنوب لبنان، وسط اعتقادٍ بأن مروحة خياراتها ستتبلور في ضوء أمرين:
– الأوّل انتظار هل ستكون الاندفاعة الشعبية التي حصلتْ أمس «هبّة عابرة» وتنتهي بعد أن يكون الأهالي تفقّدوا قرى لا مقوّمات حياة فيها من أي نوع فيعودون للانكفاء عنها ويتمدّد الاحتلال، أم سيبقون على أطلال بلداتهم وتتوالى الوفود ومن مناطق بعيدة حتى، بما يُبْقي فتيل التوتر الدائم واليومي، وهو ما سيدفع تل أبيب إما إلى انسحابٍ مستبعد تحت الضغط الأهلي وإما إلى هروب إلى الأمام والتلويح بالحرب مجدداً على وقع مزيد من إراقة دم المدنيين.
– والثاني حصيلة الاتصالات الدولية المكثفة التي لم تهدأ أمس، خصوصاً مع واشنطن التي غطّت تمديد تل أبيب بقاءها في جنوب لبنان والتي لم ينقطع التواصل بينها وبين إسرائيل التي أشاعت السبت أن «الوقتَ الإضافي» لاحتلالها – الذي برّرته بأن الجانب اللبناني لم ينفّذ التزاماته من اتفاق وقف النار بنشر الجيش في كامل جنوب الليطاني وضمان سحب «حزب الله» إلى شمال الليطاني – هو 30 يوماً تسعى إلى إقناع إدارة ترامب بها، وسط تقارير إسرائيلية تحدثت عن حاجة للبقاء لأسابيع تتجاوز الشهر.
ماكرون
وفي الوقت الذي أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمس أنه طلب من إسرائيل سحب قواتها من لبنان، لم يُعرف كيف يمكن لوضعيةٍ لا تكون فيها باريس وواشنطن على الموجة نفسها في هذا الملف أن تؤثر على عمل لجنة الإشراف الخماسية، وسط توقف أوساط سياسية عند مسارعة ترامب إلى إلغاء الحظر المفروض على تزيود إسرائيل قنابل الـ2000 رطل الأميركية وشكر بنيامين نتنياهو الرئيس الأميركي على «وفائه بوعده»، وهو ما يشي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يشعر بمزيد من «التفوق» في كنف إدارة ترامب ربما يتجه إلى المزيد من التشدد حيال اتفاق وقف النار مع لبنان وقد يكون أكثر «خطورة» حتى من النسخة المتفلّتة من كل الضوابط التي أظهرها إبان ولاية جو بايدن.
عون
وإذ حبست بيروت أنفاسها، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن المماطلة التي تحصل في تشكيل الحكومة تشكل خاصرة رخوة للبنان الرسمي في مقارعة المرحلة الدقيقة التي ولجتْها البلاد ابتداء من يوم أمس، فإن الجيش اللبناني الذي سقط له شهيد برصاص إسرائيلي، تعاطى بعنايةٍ شديدة مع الوضع الحساس وهو حرص على احتضان العائدين وواكب دخولهم، رغم كل المخاطر، العديد من البلدات التي تراجع الإسرائيليون من بعضها (القطاع الشرقي)، فيما حَمى الأهالي في بعضها الآخَر عبر تشكيل حاجز حال دون أي اصطدامٍ لهم مع الجيش الإسرائيلي الذي كان يَعمد إلى إطلاق النار كلما اقترب المدنيون من دبابات له أو نقاط تمركز، فكان حضور الجيش اللبناني فاتحة طريق عودةٍ لنحو 20 قرية أفيد أنه لن يغادرها.
وجاء أداء الجيش اللبناني تحت سقف موقف متقدم لرئيس الجمهورية أعلن فيه «إلى أهلنا الأعزاء في جنوب لبنان، هذا يوم انتصار للبنان واللبنانيين، انتصار للحق والسيادة والوحدة الوطنية. وإذ أشارككم هذه الفرحة الكبيرة، أدعوكم إلى ضبط النفس والثقة بالقوات المسلحة اللبنانية، الحريصة على حماية سيادتنا وأمننا وتأمين عودتكم الآمنة إلى منازلكم وبلداتكم».
وأضاف: «إن سيادة لبنان ووحدة أراضيه غير قابلة للمساومة، وأنا أتابع هذه القضية على أعلى المستويات لضمان حقوقكم وكرامتكم. الجيش اللبناني معكم دائماً، حيثما تكونون يكون، وسيظل ملتزماً بحمايتكم وصون أمنكم. معاً سنبقى أقوى، متحدين تحت راية لبنان».
بري
كذلك توجه رئيس مجلس النواب نبيه بري «بتحية إجلال وتقدير لأبناء القرى الحدودية اللبنانية الجنوبية» قائلاً: «طوبى لكم أيها الجنوبيون يا حراس حدود أرضنا وسيادتنا واستقلالنا وعناوين عزتنا وكرامتنا وقوتنا، مجدداً تؤكدون أنكم كما أنتم عظماء في مقاومتكم، كذلك أنتم اليوم تثبتون للقاصي والداني إنكم عظماء في انتمائكم الوطني وأن الأرض هي كما العرض ترخص في سبيل الذود عنها أغلى التضحيات وان السيادة هي فعل يُعاش وليست شعارات تلوكه الألسن».
وأضاف: «معمودية الدم التي جسدها اللبنانيون الجنوبيون نساءً وأطفالاً وشيوخاَ بصدورهم العارية وبمزيد من الشهداء والجرحى الذين ارتقوا بالرصاص الحي الذي أطلقه جنود الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين العزل في ميس الجبل وحولا وكفركلا وبليدا وعيترون ويارون ومارون الراس والخيام تؤكد بالدليل القاطع أن إسرائيل تمعن بانتهاك سيادة لبنان وخرقها لبنود وقف النار وإن دماء اللبنانيين الجنوبيين العزل وجراحاتهم هي دعوة صريحة وعاجلة للمجتمع الدولي والدول الراعية لإتفاق وقف النار للتحرك الفوري والعاجل لإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية التي لاتزال تحتلها في جنوب لبنان».
ميقاتي
وإذ دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «الدول التي رعت تفاهم وقف النار الى تحمّل مسؤولياتها في ردع العدوان واجبار العدو الإسرائيلي على الانسحاب من الاراضي التي يحتلها، وهذا ما أبلغناه الى المعنيين مباشرة محذرين من أن أي تراجعٍ عن الالتزام بمندرجات وقف النار وتطبيق القرار 1701 ستكون له عواقب وخيمة»، اتّصل الرئيس نواف سلام برئيس الجمهورية لمواكبة تطورات الوضع في الجنوب، مؤكداً«انه يشاركه الثقة الكاملة بدور القوات المسلحة اللبنانية، وفي مقدمها الجيش، في حماية سيادة لبنان وتأمين العودة الآمنة لأهلنا في الجنوب الى قراهم ومنازلهم».
حزب الله
وفيما نشر الإعلام الحربي في «حزب الله» تصريحاً مقتضباً، قال فيه:«أهلنا الشرفاء… أنتم اليوم تدهشون العالم من جديد»، أكدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس- بلاسخارت في بيان مشترك مع رئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو أن «المهل التي نص عليها تفاهم نوفمبر لم يتم الالتزام بها بعد». وكما رأينا بشكل مأسوي هذا الصباح، فإن «الظروف ليست مهيأة بعد لعودة آمنة للمواطنين إلى قراهم الواقعة على طول الخط الأزرق. وبالتالي فإن المجتمعات النازحة، التي تواجه طريقاً طويلاً للتعافي وإعادة الإعمار، مدعوة مرة أخرى إلى توخي الحذر. كما أن الانتهاكات للقرار 1701 (2006) الصادر عن مجلس الأمن لاتزال تسجل يومياً».
وفي حين اعتبر البيان «أن المسار الجاري لتشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة، يشكل خطوة أساسية في بناء الثقة بين المواطنين اللبنانيين والدولة. كما تبشر هذه التطورات خيراً لدعم البسط الكامل لسلطة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية ولتعافي البلاد وإعادة إعمارها ونموها»، قال «إن امتثال الطرفين بالتزاماتهما بموجب تفاهم نوفمبر والتنفيذ الكامل للقرار 1701 هو السبيل الوحيد لإغلاق الفصل المظلم الأخير من النزاع وفتح فصل جديد يبشر بالأمن والاستقرار والازدهار على جانبي الخط الأزرق».
اليونيفيل
وفي بيان منفصل أكدت «اليونيفيل» الأهمية الحاسمة«للتنفيذ الكامل للقرار 1701 وترتيبات وقف الأعمال العدائية من خلال الآليات المعمول بها. ويشمل ذلك الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من لبنان، وإزالة أي أسلحة أو أصول غير مصرّح بها جنوب نهر الليطاني، وإعادة انتشار القوات المسلحة اللبنانية في جميع انحاء جنوب لبنان وضمان العودة الآمنة والكريمة للمدنيين النازحين على جانبي الخط الأزرق».
وكان الجيش الإسرائيل فتح النار في العديد من البلدات على حشود من المواطنين انتظروا حلول فجر أمس وانتهاء مهلة الستين يوماً ودَخَلوا عزلاً قراهم، ما أدى الى سقوط ما لا يقل عن 22 ضحية، بينهم نساء وجندي لبناني في بلدة ميس الجبل، و 124 جريحاً.
وتركّز وقوع الضحايا والإصابات في عيترون وبليدا وحولا ومركبا وكفركلا والضهيرة وميس الجبل وبني حيان ومارون الراس وشقرا وديرميماس ورب تلاتين والطيبة والعديسة ويارون.