نواب بريطانيون يطالبون بعقوبة الإعدام في جرائم محددة
طالب نواب في حزب “ريفورم” البريطاني بإعادة استخدام عقوبة الإعدام للتعامل مع جرائم معينة، وتنظر الحكومة في إعادة تعريف الإرهاب ليشمل حوادث مثل جريمة “ساوثبورت” التي هزت البلاد قبل أشهر، وراح ضحيتها ثلاث فتيات صغيرات قبل أن يحكم على منفذها أمس الخميس بالسجن لمدة 52 عاماً.
بعد مرور نحو ستة أشهر على جريمة قتل ثلاث فتيات صغيرات في مدينة ساوثبورت شمال غربي بريطانيا، أعلن القضاء كلمته بحق الجاني “أكسل روداكوبانا” وحكم عليه بالسجن لمدة 52 عاماً، بعد إدانته بـ”القتل العمد والهوس بالعنف وتأثره بفكر تنظيم ’القاعدة‘”، وعلى رغم ذلك لم يصنف فعله على قوائم الأعمال الإرهابية.
جريمة ساوثبورت هزت المملكة المتحدة عندما وقعت، وأدت إلى تفجر أعمال شغب في مناطق عدة بسبب معلومات كاذبة حول هوية القاتل، إذ انتشر على منصات التواصل أولاً أنه مهاجر مسلم واندفع أنصار اليمين المتطرف إلى الشوارع ليعتدوا على المساجد وفنادق اللاجئين “انتقاماً”، قبل أن تبين الحكومة والجهات المتخصصة بعد أيام أن الجاني بريطاني لأب وأم روانديين يعتنقان الديانة المسيحية.
وكما خلقت الجريمة سجالاً داخلياً عند وقوعها تفجر نقاش بريطاني كبير بعد الحكم الصادر على مرتكبها يتمحور حول أمرين اثنين، الأول هو إعادة عقوبة الإعدام إلى لائحة العقوبات التي يمكن اللجوء إليها في حالات محددة، والثاني في شأن ضرورة إعادة تعريف الإرهاب كي يشمل الجرائم التي تشبه حادثة ساوثبورت.
في الشق الأول، يقود حزب “ريفورم” اليميني المتشدد المطالب بالعودة إلى الإعدام لمعاقبة الجناة الذين يرتكبون جرائم قتل بشعة، تعبر عن هوس بالعنف لا يقل خطورة عن الإرهابيين المنتمين لمنظمات محظورة، ومثل هذه المطالب يجب أن تُناقش تحت قبة البرلمان البريطاني ويجري التصويت عليها في مجلس العموم.
نائب زعيم “ريفورم” ريتشارد تايس قال إنه “ينبغي مناقشة إعادة عقوبة الإعدام في قضايا مثل قضية ساوثبورت، ولا يجب أن يخاف البريطانيون من إجراء نقاش وطني حول قضايا كبيرة مهمة مثل هذه، فلا أحد يريد وقوع حوادث مروعة أخرى في المستقبل، ويجب أن يكون هناك معاملة استثنائية في حالات مماثلة”.
النائب عن حزب “ريفورم” أيضاً “لي أندرسون” نشر صورة لحبل المشنقة عبر حسابه على منصة “إكس”، وكتب فوقها “لا اعتذار… هذا هو المطلوب”. وغرد عضو مجلس العموم روبرت لوي على المنصة ذاتها بالقول “إن الوقت حان لاستخدام عقوبة الإعدام في التعامل مع ظروف استثنائية، مثل ساوثبورت”.
واستثنائية جريمة ساوثبورت لا تنتهي في النقاش البريطاني اليوم عند المطالبة بإحياء عقوبة الإعدام، وإنما تمتد إلى ضرورة تصنيفها كعمل إرهابي يعامل صاحبه معاملة أولئك المنتمين إلى المنظمات المتطرفة والمنفذين لجرائم باسمها ودعماً لها، والتصريحات الرسمية تقول إن الحكومة العمالية في لندن تميل إلى الخطوة.
قاتل ساوثبورت ثبت للمحققين أنه قام بتنزيل ملفات تخص تنظيم “القاعدة” على حاسوبه، ولكن القضاة الذين حكموا عليه لم يجدوا في ذلك مبرراً لربطه بالتنظيم وتصنيفه كإرهابي، وانطلاقاً من هذا خرجت الدعوات إلى توسيع تعريف الإرهاب ليشمل الأعمال التي تنطوي على قتل بدافع الرغبة بالعنف، والهوس في ممارسته.
رئيس الوزراء كير ستارمر قال إن “الإرهاب تغير” وبريطانيا تواجه “تهديداً جديداً”، فالخطر الرئيس في الماضي كان “يتمثل في الجماعات المنظمة مثل ’القاعدة‘ لكن البلاد اليوم تواجه أيضاً عنفاً متطرفاً يمارسه هؤلاء المنعزلون والمنبوذون وشبان مهووسون بالعنف ويبحثون عبر الإنترنت عن أفكار تجعلهم مشهورين”.
من وجهة بارنابي جيمسون كيه سي الذي أمضى أعواماً في مقاضاة قضايا الإرهاب، ما يتحدث به ستارمر ليس تهديداً جديداً “وشهدت البلاد خلال العقد الماضي عدداً كبيراً من القضايا التي شملت شباباً أصبحوا متطرفين ذاتياً في عزلة عبر الإنترنت”، متسائلاً لماذا يشير رئيس الوزراء إلى هذه المشكلة كأزمة لا بد من معالجتها بصورة عاجلة، وماذا سيفعل في شأنها، ولماذا تأخر عن فعل ذلك حتى الآن؟
في الوقت الحاضر تعمل الشرطة والمحاكم والاستخبارات في بريطانيا وفق القانون الصادر عام 2000، ويُعرف الإرهاب بأنه “استخدام العنف أو التهديد به بهدف التأثير في الحكومة أو منظمة حكومية دولية أو في إطار تخويف الجمهور أو فئة من الناس، بغرض تعزيز قضية سياسية أو دينية أو عنصرية أو أيديولوجية”.
بعد إصدار القانون المشار إليه شهدت بريطانيا عدداً من الحوادث التي بلغ العنف فيها درجة كانت تستوجب تصنيفها كأعمال إرهابية ولكن ذلك لم يحدث، أما اليوم فيبدو أن الحكومة مستعدة لإعادة النظر في تعريف الإرهاب وتجلياته، وكلفت اللورد أندرسون كيه سي بمراجعة التشريعات المعنية في هذا المجال.
واللورد كي سي صاحب باع طويل في مراجعة التشريعات، وسينظر وفق تكليفه في قانون الإرهاب وبرنامج “بريفنت” الذي أطلق بعد أحداث “11 سبتمبر” في أميركا لمنع الأشخاص المشتبه في ميلهم نحو التطرف من التحول إلى عناصر حقيقية للتنظيمات المتشددة، والقيام بأعمال إرهابية تهدد الأمن والسلم في المملكة المتحدة”.
وبرنامج “بريفنت” تعرض لانتقادات كثيرة منذ تأسيسه، وقامت الحكومة بمراجعته خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن جهودا جديداً لابد من بذلها إن كان تعريف الإرهاب سيتسع لحالات لم تُدرج في مهام “بريفنت” سابقاً، مع ملاحظة أن قاتل “ساوثبورت” نفسه عرض على البرنامج مرتين قبل تنفيذ جريمته، لكن الجهات المتخصصة لم تجد أن حالته تستدعي وضعه على قائمة المحتاجين للمراقبة وإعادة التأهيل.