بحضور راعي الطائف: مطلب برّي بـ”المالية” ممر لتعديل الدستور!

بحضور راعي الطائف: مطلب برّي بـ”المالية” ممر لتعديل الدستور!

الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
24 كانون الثاني 2025
إنها العودة إلى مفهوم “النظام الواحد” بدلاً من النظامين أو أكثر، وبدلاً من الغرق في تفسيرات وهوامش كثيرة من الأعراف أو السوابق. المفهوم الأساس هو العودة إلى “اتفاق الطائف” وهو المقصود به “النظام الواحد”. بشرط تطبيقه وتصحيح مساراته الخاطئة وتعديل بعض الثغرات فيه.
يجمع المسؤولون اللبنانيون على كلمة الطائف، ولكن لكل منهم تفسيراته، والتي عملت الوصاية السورية على تحويرها وإرساء شوائبها. تجدد النقاش حول الطائف مع تكليف الرئيس نواف سلام بتشكيل الحكومة، فهو الذي رفع الكتاب في قصر بعبدا، ووضعه أمامه في مجلس النواب خلال الاستشارات غير الملزمة، ويكرر بوضوح أنه يتمسك بما ينص عليه الطائف وبصلاحياته من ضمنه في عملية تشكيل الحكومة.
في المقابل، برز موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري حول وزارة المال، وأن الطائف يلحظها من حصة الطائفة الشيعية، لكنها لم ترد في الدستور ولا في الوثيقة المكتوبة، بينما المحاضر غائبة وغير متوفرة، مع تقديم مسوّغ أن “التفاهم” على منح حقيبة المال للطائفة الشيعية كان مقابل حصول حكومة الرئيس رفيق الحريري على صلاحيات تشريعية، علماً أنه هو من أمسك بحقيبة المالية إلى جانب رئاسته للحكومة في حينها.

التوقيع الرابع
أهمية وزارة المال تكمن في اعتبارها التوقيع الرابع، لأن وزير المال هو الوزير الوحيد الذي يوقع على كل المراسيم والقرارات التي تصدر عن أي وزارة أخرى، وتحتاج إلى توقيعي رئيسي الحكومة والجمهورية. ما يعني أنها وزارة مقررة ومؤثرة في كل قرارات ومراسيم مجلس الوزراء، ويمكنها أن تتحول إلى وزارة معرقلة. إصرار الطائفة الشيعية على تكريس هذه الوزارة من حصتها يهدف إلى الإمساك بقدرة التأثير والتعطيل في حال خسارة الأكثرية وعدم القدرة على إفشال تمرير القرارات أو إسقاط الحكومة. وذلك تجلى أكثر مع العبور في محطات كثيرة، منذ انسحاب وزراء الثنائي من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من دون إسقاطها، إلى تكريس معادلة الثلث المعطل، وصولاً إلى محاولة تكريس “شيعية حقيبة المال”. وهذا ما أدخل البلاد في سجال وتعثرت بسببه عملية تشكيل الحكومة. دخول برّي على خطّ المطالبة بوزارة المال من بوابة الطائف ومحاضره، من شأنه أن يفتح الباب باكراً على سجال دستوري، أو هو محاولة لتحصيل وزارة المال حالياً واستباق أي ثغرات سيتم العمل على معالجتها لاحقاً للمطالبة بتدوينها نصاً. لكن ذلك من شأنه أن يبقي البلاد أسيرة خلافات لا تنتهي.

زيارة بن فرحان
على وقع كل السجالات والخلافات والمطالبات بتطبيق الدستور واتفاق الطائف، حطّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في لبنان، وهو ممثل  الراعي الأساسي والفعلي لاتفاق الطائف. حتّى وإن كانت زيارته تحمل طابعاً بروتوكولياً لتوجيه دعوة لرئيس الجمهورية لزيارة السعودية، لكنها في معنى آخر هي دعوة سعودية للبنانيين للعودة إلى الحضن العربي، مع التشديد على وضع لبنان على سكة الإصلاحات.
هي زيارة لتثبيت الحضور والقول الواضح إن ما جرى في لبنان يتطابق مع الرؤية السعودية وغيرها من الدول، التي كانت تطالب لبنان بسلسلة إجراءات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية. كما أن زيارة وزير الخارجية السعودي تعطي دفعاً لرئيس الحكومة المكلف في آلية تشكيل حكومته، وفق اتفاق الطائف، مع التأكيد على احتضان كل المكونات وتطبيق القرار 1701 والتشديد على الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب.
شدد الوزير السعودي خلال زيارته على ضرورة إنجاز الإصلاحات والتي ستشكل مدخلاً أساسياً للحصول على  المساعدات والاستثمارات والشروع في مشاريع إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد.

“النظام الواحد”
هنا تكمن أهمية العودة إلى “النظام الواحد” أو الكتاب الواحد. بدلاً من العودة إلى انقسام لبنان بين نظامين للحكم فيه. الأول ما بني على الميثاق ووضع أسسه بشارة الخوري ورياض الصلح وهو الذي حدد أسس توزيع الحصص أو الأسس التشاركية بين الطوائف. والثاني هو الدستور الذي لم يكن يتحدث أو يأتي على ذكر حصص الطوائف والمذاهب. وتعايش لبنان طوال فترة ما قبل الحرب الأهلية مع تفسيرات متناقضة أو صراعات ما بين طرف متفوق وآخر يشعر بالدونية إلى أن انفجرت الحرب. بعدها جاءت وثيقة الوفاق الوطني في الطائف التي عملت على المزج بين روحية الميثاق وروحية الدستور. وذلك تحت عنوانين أساسيين، الأول مرحلة مؤقتة إلى حين انشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، فتتمثل العائلات الروحية، بين الطوائف بالتساوي ونسبياً ما بين المذاهب. والثاني، مرحلة دائمة هي لإلغاء النظام الطائفي، حيث يصبح التمثيل غير مرتبط بالطوائف والمذاهب. وحتى الآن لا يزال لبنان على طريق المرحلة الأولى.

لطالما غرق لبنان في تفسيرات كثيرة حول الجهة التي تحدد آلية التمثيل في الحكومات أو في أي تعيينات أخرى. وهو ما نتج وتفاقم كثيراً منذ تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، بينما يسعى كثر إلى أن يتمثلوا في الحكومة، حتى من لم يصوّت له. علماً أنه لا يمكن لحكومة واحدة أن تضم الجميع، خصوصاً إن كانت حكومة ذات فعالية وليست على طريقة حكومات “الوحدة الوطنية” السابقة، التي كان يتم توسيع عدد وزرائها إلى ثلاثين وزيراً، علماً أن أي حكومة اليوم من ذاك القبيل ستكون بحاجة إلى توسيعها لما يقرب الأربعين وزيراً لتمثيل كل الكتل والقوى، سواء كانت تمثيلاً طائفياً أم سياسياً. جانب من هذه السجالات يتعزز أكثر عبر تفسيرات كثيرة لطبيعة النظام اللبناني، وما بين الديمقراطية الطبيعية والديمقراطية التوافقية.

كل تلك السجالات بإمكانها أن لا تنتهي، ولا تصل إلى خلاصة حول كيفية تحديد آلية تمثيل القوى في الحكومة، بينما هناك من يلجأ إلى اعتماد آلية تمثيل غالبية القوى المتمثلة في المجلس النيابي. وبما أن الآلية المعتمدة هي لتمثيل الطوائف، والمذاهب وفق الدمج ما بين الميثاق الوطني والدستور، فلا بد من تمثيل الثنائي الشيعي بالحكومة وفق المعايير السياسية المعتمدة ووفق الأمر الواقع القائم، طالما أن هذا الثنائي هو الذي يحتكر التمثيل النيابي للطائفة الشيعية داخل البرلمان باحتفاظه بـ27 نائباً من أصل 27. هذا لا يعني طبعاً أن الثنائي يختزل كل أبناء الطائفة الشيعية، مع التشديد على وجود معارضة شيعية موجودة وقائمة وتناضل منذ سنوات وذات اتجاهات متنوعة ومتعددة.

توازنات مجلس النواب
المعركة الأساس اليوم في في الاعتراض على تسمية الكتل النيابية لوزرائها، فلا يتحول رئيس الحكومة إلى متلقٍ وساعي بريد فقط، على أن يقوم هو باختيار الوزراء حسب الكفاءة ووفق رؤيته المناسبة وبالتفاهم مع رئيس الجمهورية، لكنه أيضاً يحتاج إلى تمرير حكومته في المجلس النيابي ونيلها الثقة. لذا لا يمكن استثناء طرف يمثل طائفة بعينها، على أن يكون الاختيار وفق توازنات المجلس النيابي، ومن هو غير ممثل بالمجلس لا يمكنه فرض معادلة التمثيل، على الرغم من حقه في المشاركة والتوزير من خلال العلاقة التحالفية مع قوى سياسية أخرى، ما يعني أن لا يحتكر الثنائي التمثيل ولا يتحكم بالأسماء، في مقابل أن يتمثل مستقلون عنه يختارهم رئيس الحكومة أو أي طرف آخر من حصته.

وهنا لا بد من الوصول إلى استنتاج من نقطتين، أولاً المشكلة مع الثنائي الشيعي هي في رفض فرضه للأسماء، وتلقيها منه وفق آلية الفرض التي كانت تعتمد سابقاً، ورفض اعتماد أسلوب إيداع الأسماء في ظرف مغلق وتسليمها قبيل لحظة من توقيع مرسوم تشكيل الحكومة، فلا يكون رئيس الحكومة قد اطلع ووافق عليها مسبقاً، وهذا لن يحصل هذه المرة. وثانياً، ليس من الصحيح اعتبار أن جميع القوى التي لم تفز بالانتخابات النيابية لن يكون بإمكانها أن تتمثل، لكنها أيضاً ليس بإمكانها الدفع أو المطالبة بإخراج طرف وازن هو ممثل “ملّته” في البرلمان.