
متى تبدأ قيمة الليرة اللبنانية بالتحسّن؟
شهد سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار استقراراً نسبيّاً منذ آذار 2023، وقد عادت نغمة “منبيع أو منشتري دولار” عقب الأجواء الإيجابية التي سبقت انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية. ويحاول البعض بذلك تحقيق أرباح من فروق السعر، والبعض الآخر للحفاظ على القدرة الشرائية لمدّخراتهم بالدولار كي يتجنّبوا الخسائر. ثمة عوامل عدة تؤثر على سعر الصرف سلباً أو إيجاباً. هذه العوامل منها ما هو غير موضوعي ولا علمي، على الطريقة اللبنانية، والأخرى عوامل موضوعية وعلمية.
العوامل غير الموضوعية
وهما عاملان، الأول: العامل النفسي للشعب اللبناني الذي خسر الكثير من أمواله وثرواته خلال سنوات الأزمة هذه بسبب تدهور سعر صرف الليرة، من هنا شهدنا هذا التهافت الكبير على بيع الدولارات ليلة انتخاب رئيس الجمهورية تجنّباً لخسائر جديدة مع سريان إشاعات أو توقّع اللبنانيين تحسّن سعر الصرف نتيجة انتخاب الرئيس. والعامل الثاني هو المضاربات من قبل مافيات امتهنت وبرعت في التلاعب بسعر الصرف عند لحظات معيّنة ناتجة عن أحداث أو وقائع ما، واستغلال العنصر النفسي في ذلك.
العوامل الموضوعية والعلمية
هذه العوامل منها ما هو سياسي والبعض الآخر اقتصادي- مالي، إذ يجب أن تتضافر وتتكامل جميعها لتحقيق الهدف المطلوب وهو تحسين قيمة الليرة اللبنانية.
– العوامل السياسية: بعد انتخاب رئيسٍ للجمهوية الذي يُعدّ الخطوة الأساسية في هذا الإطار، تبدأ:
* عبر تشكيل حكومة متجانسة وفاعلة ترسّخ حالة الطمأنينة والثقة التي عكسها انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية.
* إعادة الانتظام العام للإدارات والمؤسسات العامة واستكمال التعيينات الإدارية، وتفعيل عمل القضاء واستقلاليته وكذلك المؤسسات الرقابية، ما يحدّ من المضاربات النقدية وفعالية تطبيقات ومجموعات المضاربين والاقتصاد الأسود.
* البدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، منها الحوكمة، الحكم الرشيد، الشفافية وغيرها مما ينتج عنه التحسّن في تصنيف لبنان الائتماني من قبل وكالات التصنيف العالمية، وبالتالي عودة الثقة إلى الاقتصاد اللبناني وماليته العامة وسندات الدين وخاصة بالدولار، ومن ثم إمكانية ازدياد الطلب على الأخيرة وجذب الاستثمارات الأجنبية وازدياد عرض الدولار.
– العوامل الاقتصادية-المالية عدة أهمّها:
* هيكلة القطاع المصرفي التي يجب أن تبدأ بالمصرف المركزي وتطوير قانون النقد والتسليف، تحديد طبيعة نظام الصرف عبر تحريره ولكن بطريقة مدارة وموجهة، وتفعيل السياسة النقدية عبر أدواتها المختلفة في عملية توجيه وإدارة سعر الصرف، إنشاء منصة بلومبرغ وهي متلازمة وضرورية عند تحرير سوق القطع.
* والانتقال إلى المصارف بأنواعها المختلفة لعودة الثقة إلى القطاع المصرفي من أجل إعادة تكوين الودائع من جديد، ومنها يتكوّن الاحتياطي من العملات الأجنبية وبالتالي زيادة العرض منها والقدرة في التأثير على سعر الصرف.
* مكافحة الاقتصاد النقدي (الكاش) والعودة إلى الاقتصاد النقدي الطبيعي عبر القطاع المصرفي، ومنها إدخال التحويلات النقدية من الخارج عبره أيضاً، بما يسهم في زيادة عرض النقد الأجنبي.
* تطوير التشريعات الضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية.
* دعم القطاع السياحي وعودته إلى القيام بدوره الريادي وتوفيره إيرادات مالية وصلت إلى حوالي 5.5 مليارات دولار في عام 2023.
* تشجيع القطاعات الإنتاجية والصناعات التنافسية لتقليل الاستيراد وزيادة التصدير.
* هيكلة الدين العام وخاصة بالدولار وضبط العجز المالي.
* دعم المجتمع الدولي في عمليات الإعمار والتعافي الاقتصادي.
* مكافحة الاقتصاد الأسود وتنشيط الدورة الاقتصادية.
إنّ جميع هذه العوامل السالفة الذكر تسهم في تحقيق ازدياد في عرض الدولار والسيولة النقدية منه بعد شحّ كبير، وهذا ينعكس تحسّناً في قيمة العملة الوطنية، ولكنه مسار تراكمي وطويل، وهذا التحسّن سيحدث تدريجياً كما تدهورت قيمتها بالتدرّج، لأن سوق الصرف لا تحمل هذه التذبذبات الكبيرة فيها حتى لو كانت إيجابية.