رادار- شكرًا ماكرون
التقى الصديقان سجيع ومطيع كعادتهما كل صباح ليرتشفا القهوة ويتابعا الأخبار المحلية والدولية قبل توجههما الى العمل. وبالرغم من متابعتهما اليومية تفاجآ بسرعة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان بحجة تهنئة الرئيس جوزيف عون بانتخابه وحثه مع رئيس الحكومة المكلف نواف سلام على الإسراع في تشكيل الحكومة.
سأل سجيع صديقه وهما يشاهدان طائرة الرئيس الفرنسي تحط في مطار بيروت: هل تذكر متى زار ماكرون بيروت في المرة السابقة؟
-بالطبع أذكر، أجاب مطيع، وكانت زيارة لا تنسى بعد ساعات من تفجير مرفأ بيروت عندما توجه الرئيس الفرنسي الى المرفأ المدمّر والمناطق المجاورة وتبادل الحديث مع أهالي الضحايا والمصابين وطمأنهم الى أن التحقيق سيكشف الحقيقة.
-وهل انكشفت الحقيقة؟
-ليس بعد.
-واليوم ماذا جاء يفعل لدينا وبلاده تعاني أزمة حكومية وسياسية غير مسبوقة وتراجعًا اقتصاديًا مستمرًا فضلًا عن الأزمات الاجتماعية والأحداث الأمنية بين الحين والآخر؟
-الرئيس ماكرون “واجباتو منيحة”، وهو يتميز بالذاكرة القوية والوفاء لمن يحب. فكما عاد بعد أكثر من عشرين عامًا وتزوج مدرّسته التي أحب وهو تلميذ، تذكّر أن فرنسا هي الأم الحنون للبنان في عهد المارونية السياسية فعاد الى بيروت ليطمئن عليها..
-لكن الوضع تغيّر ودخلنا منذ أكثر من عقدين في عصر الشيعية السياسية.
-لا يهمّ. فرنسا لم تتغيّر وظلت الأم الحنون لمن يحكم لبنان.
-الخلاصة؟ ماذا يريد ماكرون من زيارته الحالية؟
-عجبًا يا صديقي كيف تتابع الأخبار يوميًا ولا تفهم أبعادها وخلفياتها. فكما سبق ماكرون وفيق صفا في إيقاف التحقيق بتفجير المرفأ لتبرئة “حزب الله” المتهم الأول بإدخال النيترات الى لبنان عندما لم يمد التحقيق بأية معلومات أو صور للأقمار الصناعية وكان همه الاول حصول فرنسا على امتياز اعادة إعمار المرفأ، كذلك جاء اليوم لإنقاذ “حزب الله” مجددًا من المأزق الداخلي الذي وجد نفسه فيه بعد خسارته معركة “اسناد غزة” وتوقيعه اتفاق الاستسلام مع اسرائيل.
-وكيف يمكن أن ينقذه؟
-بتعويمه داخليًا من خلال إعادة دمجه في الحياة السياسية اللبنانية عبر بوابة الحكومة الجديدة. والأخطر من ذلك أنه يسعى لإقناع المسؤولين اللبنانيين بأهمية المحافظة على “حزب الله” وكوادره العسكرية والأمنية من خلال استيعابهم في الجيش والأجهزة الأمنية بطريقة او باخرى، على طريقة الحشد الشعبي في العراقمثلًا أو غيرها من التجارب الفاشلة في محور الممانعة..
-انك تبالغ يا صديقي. ألم ترى الحفاوة الشعبية التي استقبل بها سكان الجميزة الرئيس الفرنسي الذي قام بجولة في الشارع الذي أعيد اعماره؟
-بلى رأيت. لكنني لم افهم سبب جولة ماكرون في الجميزة وليس في الضاحية الجنوبية ليتفقد ماذا اقترفت أيدي الذين حماهم (ومعهم اسرائيل) من المحاسبة عندما دمّروا نصف بيروت عام 2020 فعادوا ودمّروا نصف لبنان عام 2024.
هنا طأطأ مطيع رأسه حزنًا، وقال: اذا كان الأصدقاء كذلك فلم يعد من لوم على الأعداء. وعليه، ليس مستبعدًا أن نرى لافتات تحمل صور الرئيس الفرنسي وتحتها عبارة “شكرًا ماكرون” على طريق المطار، في الشارع نفسه المخصص لصور القادة الممانعين، الشهداء منهم والأحياء.