خاص- “المال” والسلطة

خاص- “المال” والسلطة

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: beirut24
17 كانون الثاني 2025

ما يحدث في لبنان منذ التاسع من كانون الثاني الجاري أجمل من أن يصدق: قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسًا بـ99 صوتًا، القاضي نواف سلام رئيس حكومة مكلف بـ84 صوتًا، والتأليف على نار حامية. أيتام سوريا وإيران في حالة انعدام وزن وصمت مطبق إلا في ما ندر. السياديون الأحرار من جميع الطوائف والأحزاب في حالة استعداد كامل لإعادة بناء لبنان جديد لا يخجل تاريخه بمستقبله. المعارضة تحوّلت الى موالاة لا بل الى رافعة حقيقية للعهد، فيما تحوّلت المنظومة التي كانت تمثل الدولة العميقة في لبنان الى معارضة مشتتة لا يجمعها إلا البكاء على الأطلال. والأهم أن الأمل عاد الى اللبنانيين، والبسمة عادت الى وجوههم.

إنه مشهد سوريالي حقيقي أقرب الى الحلم منه الى الواقع، ما دفع بالبعض الى الدعوة لعدم الإفراط في التفاؤل، في انتظار ألا يبقى الحلم حلمًا ويتحوّل الى واقع يلمسه كل لبناني في واقعه ويتوقعه لمستقبله ومستقبل أبنائه.

إلا أن هذا التفاؤل، وإن كان مفرطًا أو مبالغًا فيه، لا يعني في الحقيقة أن طريق العهد الجديد ستكون مزروعة بالورود طالما أن ثنائي “أمل- حزب الله” لم يعترف بهزيمته، والأهم بمسؤوليته، بالاشتراك مع آخرين، عما حل بلبنان من موت وخراب وانهيار في جميع القطاعات وعلى جميع المستويات.

انطلاقًا من هذا المعطى السلبي الثابت الذي لا يبدو أنه آيل الى التبدّل في المدى القريب، بات واضحًا أن التحدي الأول أمام العهد الجديد هو تشكيل حكومة فاعلة ومنسجمة لا تضم “حصان طروادة” يهدف الى تعطيلها من الداخل، وتستلهم بيانها الوزاري من خطاب القسم التاريخي الذي ألقاه الرئيس عون بعد انتخابه في مجلس النواب.

في مقابل هذا التحدي لا يتورّع “الثنائي” عن استعمال آخر اسلحته بإشهار سيف الميثاقية، في محاولة يائسة لاحتفاظه بحق “الفيتو” الأسود على “الثورة البيضاء” التي أطلقها العهد ولاقت تأييد أغلبية الشعب اللبناني، فضلًا عن الدول العربية والقوى العظمى المؤثرة على الساحة اللبنانية.

والأخطر في الأمر أن “الثنائي” بات في وضع لا يخوّله التخلي عن “امتيازاته” في السلطة، وهو بالتالي ليس مستعدًا لتعريض مصالحه التي راكمها على مدى عقود لمثل هذه الخسارة التي قد تشكل الضربة القاضية لهيمنته على طائفته ولبنان قبل نحو عام ونصف العام على الانتخابات النيابية التي من المتوقع ان ان تكون الانتخابات الحرة الأولى منذ نحو نصف قرن.

لذلك لا بد من الإشارة الى أن رفع “الثنائي” سيف الميثاقية بوجه العهد لا يعدو كونه من باب التهويل بهدف المحافظة على المكسبات، وأولها حصة وازنة في الحكومة الجديدة وعلى رأسها وزارة المال التي يسعى “الثنائي” لتكريسها بالعرف من حصة الطائفة الشيعية، بحجة الحصول على التوقيع الثالث في الدولة بعد توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة. وانطلاقا من ذلك بدأ الثنائي في إعلامه حملة لإظهار حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري كمرشح لتولي وزارة المال، لما لهذا الاسم من سمعة طيبة ووقع إيجابي لدى الطبقة السياسية وعموم الشعب اللبناني.

من هنا تبدو وزارة المال اللغم الاول على طريق تشكيل حكومة العهد الأولى، وخاصة بعدما أكد الرئيس عون في خطاب القسم على مبدأ المداورة في الإدارات، وفي ظل عدم وجود أي إشارة في الدستور تسمح للطوائف باحتكار الوزارات. فإذا رضخ العهد للتهويل ولم يبدأ التغيير المطلوب في حكومته الأولى يكون قد اقترف خطأه الأول الذي لا يمكن إلا ان يستتبع أخطاء كثيرة، لأنه في حال وجود نية للعرقلة لدى المعارضة الجديدة، وهو الأمر المرجح حتى الآن، يكفيه الحصول على وزارة المال وحدها حتى يكون قادرًا على عرقلة مسيرة العهد برمتها. فانطلاقا من المبدأ القائل qui donne ordonne (أي من يعطي يأمر، حتى لو لم يكن من جيبه) يصبح وزير المال المتحكم الأول بعمل الحكومة برمّتها، ما يستدعي تعديلًا وزاريا قد لا يكون سهل التحقيق لإعادة تصويب الأمور. وكما أن “بَيْتُ القصيدة” هو البيت الشعري المتضمّن غاية الشّاعر والعمود الفقري للقصيدة، كذلك هو “بيت المال”، أي وزارة المال، بالنسبة للحكومة الجديدة وكل الحكومات، وخاصة في ضوء الحديث عن مساعدات عربية ودولية ضخمة مُرتقبة الى لبنان لإعادة بناء ما دمرته “حرب الإسناد” وتحريك عجلة الاقتصاد الذي كاد محور الممانعة وحلفاؤه أن يقضوا عليه.

وانطلاقًا من ذلك، يدرك “الثنائي” جيدًا أنه ليس بحاجة لأكثر من وزارة المال ليواصل استئثاره بالسلطة ويكون بالتالي قادرًا على وضع العصي في دواليب مسيرة العهد الجديد، وصولًا الى “ترويضه” وفرملة مسار التغيير المرتقب. فهل يستمر عرض مسلسل المال والسلطة في لبنان؟