تهديدات داخلية وخارجية تضع سوريا تحت مقصلة التقسيم
أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان وقوع أكثر من 73 جريمة قتل أفضت إلى مقتل ما يقارب 148 شخصاً، وقعت كلها في مناطق الساحل السوري وحمص وحماة.
بدأت تتنامى في أوساط المثقفين السوريين والنشطاء السياسيين مخاوف حقيقية من أن يكون تدهور الوضع الأمني في بعض المناطق ذات الحساسية الخاصة نتيجة وقوعها على خط صدع طائفي، مؤشر من بين مؤشرات أخرى، إلى وجود جهات محلية وخارجية تعمل ليل نهار لإفشال تجربة الانتقال السياسي في سوريا، وجرّ البلاد إلى مستنقع حرب أهلية دموية تمهيداً لفرض خيار تقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية أو عرقية.
وقد أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان وقوع أكثر من 73 جريمة قتل أفضت إلى مقتل ما يقارب 148 شخصاً، وقعت كلها في مناطق الساحل السوري وحمص وحماة.
وثمة من يعتقد أن وقوع العديد من الانتهاكات والجرائم بالتزامن مع الحملات الأمنية التي تقوم بها إدارة العمليات العسكرية في بعض المناطق ذات الغالبية العلوية، قد يكون هدفه تحميل “هيئة تحرير الشام” تبعاتها لتبرير القيام برد فعل ضدها قد يكون منطلقاً لمواجهة أوسع، تسمح لذوي المصالح وأصحاب الأجندات بالمطالبة بكانتون خاص بالطائفة العلوية.
وتتخوف قيادة “هيئة تحرير الشام” التي تسلمت زمام السلطة مما تسميها “فلول النظام”، وفق ما ذكر لـ”النهار” مصدر عسكري فيها. ويقول إنّ “هذه الفلول التي لها مصلحة وجودية في إفشال عملية الانتقال السياسي في سوريا، لأن مصيرها سوف يكون المحاسبة على الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب السوري”.
وأضاف المصدر أن “لهذه الفلول ارتباطات خارجية مع حزب الله وإيران وربما مع بعض التنظيمات الفلسطينية القريبة من النظام المخلوع، وقد تكون لديها خطة وشيكة لزعزعة الأمن في البلاد للتشويش على انتصار الثورة وخدمة أجندة تلك الجهات التي تريد أن تعوض خسارتها في سوريا بأي ثمن”. وأشار المصدر إلى التصريحات التي صدرت عن مسؤولين إيرانيين متضمنة تهديداً مباشراً للأمن السوري، بحسب وصفه.
ولكن قد تكون “هيئة تحرير الشام” لسبب أو لآخر تقتصر على التصويب على فلول النظام ومن ورائها إيران إخفاءً لأخطار أخرى تهدد الأمن السوري ووحدة الأراضي السورية، لكن ليس بمقدورها الحديث عنها علانية بسبب ارتباطها بجهات خارجية تعمل الإدارة الجديدة على كسب ودّها أو تحييد خطرها.
وفي هذا السياق، كان لافتاً أن وزارة الخارجية السورية لم تكترث لوصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الحكام الجدد في سوريا بأنهم “عصابة إرهابية”، وذلك في اتصال له بنظيره اليوناني قبل أسبوع.
ويدل المشهد السوري بعد شهر من سقوط النظام على وجود مناطق نفوذ، بعضها معلن وبعضها الآخر مستتر، ما زالت عصية على تمدّد سيطرة إدارة العمليات العسكرية إليها مثل السويداء ودرعا والقنيطرة، إذ تحافظ هذه المناطق على خصوصية ما تجعلها تحظى بمعاملة مختلفة عن باقي المحافظات. وهذا التميّز المناطقي، هو ما يستدل به المراقبون إلى احتمال وجود مخطط للتقسيم.
وتتعزز الشكوك أكثر مع رصد ما يجري في المناطق ذات الغالبية العلوية، حيث بدأ البعض يتخوف من أن يكون الهدف من جرائم القتل المتنقلة والتي تسجل ضد مجهولين، ومن تصاعد الانتهاكات ضد بعض الأفراد، هو دفع هؤلاء إلى المطالبة بأن يكون لهم كانتون خاص بهم. والحال أن القدوة جاهزة وهي محافظة السويداء التي تقطنها غالبية من طائفة الموحدين الدروز.
وصدرت عن وجهاء العلويين بيانات كثيرة ترفض فكرة التقسيم وتؤكد على العيش تحت راية الحكم الجديد، على أن تسود العدالة وسيادة القانون ودولة المواطنة. ولكن يظل هناك من يتخوف من أن صبر العلويين، إذا تمادت الانتهاكات، قد ينفد أو قد ينكسر الإجماع بينهم على رفض التقسيم ، وخصوصاً إذا جرى تجميله بمسميات برّاقة كالفيديرالية أو الكونفيديرالية. وهو ما قد تستغله جهات خارجية من أجل تفعيل خيار التقسيم.
وتعمل إسرائيل على إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري بعمق 15كيلومتراً وطول 60 كيلو متراً، وفق ما نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، الأمر الذي يمنحها إمكان تأثير كبير على ترتيب المشهد في تلك المنطقة الحيوية، بخاصة مع موقفها المتشدد من الإدارة الجديدة، إذ اتهمت تل أبيب الغرب بأنه يتعامى عن خطر وصول أحمد الشرع إلى الحكم في سوريا.
ولعل الأخطر من ذلك ما كشفته صحيفة “يسرائيل هيوم” عن عقد المسؤولين الإسرائيليين اجتماعاً سرياً داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي، خصص لمناقشة الوضع المستقبلي في سوريا، إذ طرح اقتراح لعقد مؤتمر دولي يهدف إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات (مناطق إدارية).
وأوضحت الصحيفة أن بنياهو نتنياهو يعتزم عقد اجتماع خاص في الأيام المقبلة لدرس الموضوع بشكل أوسع، مع التركيز بشكل خاص على التهديد الذي يشكله الوجود التركي في سوريا بالنسبة إلى إسرائيل.