خاص – سوريا: من الهيمنة الإيرانية إلى النفوذ التركي

خاص – سوريا: من الهيمنة الإيرانية إلى النفوذ التركي

الكاتب: إيلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut 24
26 كانون الأول 2024

كانت لافتة الحفاوة التي استقبل بها أحمد الشرع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في قصر الشعب في دمشق. ولا عجب في ذلك. فأنقرة دعمت “هيئة تحرير الشام”، وتعاونت معها طوال السنوات الماضية، وهي كانت السند الأساسي للهيئة عند دخولها الأراضي السورية، وفرار الرئيس المخلوع بشّار الأسد. ومن المتوقّع أن يقوم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بزيارة لسوريا الجديدة الأسبوع المقبل، أو بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة الانتقالية.
فأنقرة هي المستفيد الأوّل بعد سقوط الأسد. وهي تطمح لتملأ الفراغ الذي تركه زوال النظام وانسحاب إيران وعناصر “حزب الله”، خصوصاً أن الحكم الجديد في دمشق سيكون بيد الأكثرية السنّية المتناغمة مع الحكم في تركيا. وقد أيقظ هذا الواقع الجديد أحلام “الامبراطورية العثمانية”، التي لطالما راودت أردوغان.
فما هي الامتدادات الممكنة لهذه “الامبراطورية”، وما هي الحدود التي تقف في وجهها؟ وأين تقف سوريا بين احتمالات الاستقرار وعودة الاضطرابات؟
هناك أمران على الأقل ستستفيد منهما تركيا بعد سقوط النظام الاسدي:
– منع الأكراد من تحقيق حلمهم بالاستقلال. إذ لطالما كان المكوّن الكردي هو الهاجس التركي الأبرز. وستكون “قسد”، أي “قوات سوريا الديموقراطية” الجهة التي ستدفع الثمن الآن، بعد كل الجهود التي بذلتها في محاربة تنظيم “داعش”. وعلى رغم أن “قسد” مدعومة أميركياً، فلا شيء يمنع واشنطن من التخلي عن هذا الدعم، إذا ارتأت أنّ مصالحها تقتضي ذلك.
وقد كان لدى “قسد” توجّه متمايز طوال فترة الحرب السورية. وهي أرادت الاستفادة من الأوضاع ومن الدعم الأميركي والإسرائيلي أيضاً من أجل التوصل إلى تسوية دستورية جديدة في سوريا، تعطي الأكراد حقوقهم. وقد راهنت على دورها الأساسي في الحرب على “داعش” من أجل أن تقطف الثمن. ولكن حسابات الدول ومصالحها مختلفة. إذ من المتوقّع أن تتقلّص الفرص لدى الجانب الكردي، وأن يخسر تدريجاً الأوراق التي يملكها، بعد وضع تركيا يدها على الورقة السورية. وقد دعا الحكم الجديد في دمشق “قسد” إلى التخلّي عن السلاح، وإلإصغاء إلى ما تقرّره الحكومة المركزية، التي ستكون وحدها من يؤمّن الضمانات للأكراد.
وفي الواقع، ستتبيّن الخطوط العريضة للتوجّه الأميركي في سوريا بعد تسلّم دونالد ترامب مهامّه. ولا تريد واشنطن بأي ّحال عودة نشاط “داعش”. لذا نفّذت الولايات المتّحدة ضربات جوّية استهدفت التنظيم، بهدف منعه من الاستفادة من الوضع الحالي في سوريا لإعادة تشكيل نفسه. ولكن، قد يعمد الرئيس الأميركي العتيد إلى السماح لتركيا باستنفاد طموحاتها، في مقابل حريّة النشاط الأميركي في المنطقة.
ولكن، قد تطلب “قسد” دعم الإسرائيليين الذين، مع وقوفهم إلى جانب الأكراد، يتهيّبون الدخول في صراع مع دولة كتركيا، خصوصاً أنّ القوّات الإسرائيلية توغّلت، بعد سقوط الأسد، لكيلومترات داخل الأراضي السوريّة. وهي ربّما ستبقى طويلاً لضمان أمنها، ما دام الوضع السوري هشّاً.
– أمّا الفائدة الثانية الأساسية التي ستجنيها أنقرة، فهي توسيع نفوذها الاقتصادي والاستثماري في سوريا. فهي تخطّط لتنفيذ مشاريع نقل ضخمة، وتريد إعادة رصف سكّة حديد الحجاز- اسطنبول- دمشق، ومدّ طريق سريع بين تركيا وسوريا، إضافة إلى بناء مطارات وموانئ. كما أنّها ستقدّم الدعم اللوجستي لإعادة بناء الإدارة والاتصالات والجيش. وإذ تحرص على عدم الاصطدام بالجانب الإسرائيلي، تهدف تركيا إلى إشراك سوريا في خطّ التنمية العراقي، وإلى وضعها في قلب التحوّل الإقليمي التجاري والاقتصادي. فأنقرة تسعى للتغلب على مشكلات اقتصادية عدّة، منها مشكلة التضخّم. وستكون السوق السورية، وعبرها السوق العربية، الطريق لتحقيق فرص نموّ أعلى للسنوات المقبلة.
ومن الناحية السياسية، يسود عدم اليقين لدى الاقلّيات في سوريا وفي لبنان أيضاً، من نموّ النفوذ السنّي التركي، كبديل من النفوذ السوري العلوي. وتاريخ السلطنة العثمانية في هذا المجال غير مشجّع.
وبالنسبة للبنان، الذي يتأثر دائماً بما يحصل في سوريا، قد تجد فئات سنّية ضالّتها في الدعم التركي بزعامة حزب “العدالة والتنمية”. ولكن القسم الأكبر من السنّة يتفيّأ العباءة السعودية، التي ستعود قريباً إلى الساحة اللبنانية، ما يحدِث التوازن المطلوب. وإذا جرى انتخاب رئيس قوي وسياديّ وتشكيل حكومة تبسط سلطة الدولة، فإنّ لبنان يكون قد مهّد الطريق لبناء مناعة أمام التدخّل الخارجي، وإلّا فإنّ فرصة بناء الدولة .المتاحة الآن قد تضيع من جديد