من يضمن إنسحاب إسرائيل خلال مهلة الستين يوماً؟

من يضمن إنسحاب إسرائيل خلال مهلة الستين يوماً؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
11 كانون الأول 2024

تسارعت التطوّرات في شكل دراماتيكي بعد سقوط نظام الأسد، ما جعل الملفّ اللبناني يتراجع عن صدارة الاهتمام. ولم نعد نسمع الكثير من الكلام عن تنفيذ وقف إطلاق النار الذي أُعلن في 27 تشرين الثاني. فالجميع يراقب الآن المشهد السوري، وما ستؤول إليه الأمور في ظلّ الحكم الجديد، وأيّ مسار ستسلكه السياسة السوريّة تحت حكم “هيئة تحرير الشام”.
أمّا إسرائيل، فاستغلّت حالة اللّايقين التي رافقت خلع النظام في سوريا، كي تتوغّل قوّاتها كيلومترات عدّة داخل الأراضي السورية، وتسيطر على جبل الشيخ الاستراتيجي. وأكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الوقت عينه، أنّ هضبة الجولان ستبقى جزءاً من إسرائيل إلى الأبد، في إشارة إلى الجزء المحتلّ من الجولان.
وعليه، فإنّ الأحداث الجارية في سوريا هي جزء لا يتجزّأ من مسار الحرب التي بدأت في غزّة، وانتقلت إلى لبنان. وهذا يشي بأنّ إسرائيل قد تعمد إلى “توحيد الساحات”، فتعتبر أنّ أمن حدودها الشمالية مع لبنان مرتبط بأمن الحدود مع سوريا، ما يربط تنفيذ وقف النار بكلّ مندرجاته باستقرار البلدين في آنٍ واحد، وهذا يضع علامات استفهام كبيرة حول انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي احتلّتها في خلال مهلة الستين يوماً المحدّدة في الاتّفاق.
وحتّى في معزل عن الحدث السوري، سيكون لدى تلّ أبيب الكثير من “الحجج”، كي تبرّر بقاءها في القرى والبلدات المحتلّة جنوب الليطاني. وفي أيّ حال، فإنّ الاتّفاق الذي تمّت الموافقة عليه، يلبّي شروط إسرائيل، من حيث حقّها في التدخّل عسكريّاً، كلّما ارتأت أنّ هناك خرقاً للاتفاق من وجهة نظرها. كما أنّ عدم تنفيذ الاتّفاق وفق رؤيتها، يعني أنّها لن تنسحب من المناطق التي احتلّتها.
لقد مضى على وقف النار أسبوعان، أي ربع المهلة التجريبية. وحتّى الآن، بالكاد يقوم الجيش اللبناني بالتأكّد من أنّ الطرق الرئيسية آمنة وخالية من الألغام. ولكنّه لم يدخل إلى الأماكن التي تنتشر فيها القوّات الإسرائيلية، التي تعلن أنّها تقوم ببعض الانسحابات، ولكنّها ليست سوى تراجع من بعض القرى أو من داخل بعض البلدات. كما لم نرَ أو نسمع بأنّ الجيش اللبناني كشف عن مستودع أسلحة مثلاً أو صادر سلاحاً أو قام بعمليّات تفتيش.
ويحتاج الجيش في الأساس إلى دعم بالعديد والسلاح، من أجل أن يتمكّن من إتمام المهامّ المطلوبة منه، خصوصاً أنّ المؤسّسة العسكرية عانت الكثير بسبب نقص في العناصر والتمويل ناجم عن الأزمة الاقتصادية. وإضافة إلى ذلك، طرأت مهمّات جديدة على عاتق وحدات الجيش، بعد أحداث سوريا، بحيث بات مطلوباً منها تأمين الحدود الشمالية والشرقية، والانتشار في الجنوب، ضماناً لتنفيذ قرار وقف النار. وبالفعل، فتح الجيش باب التطويع للعسكريين، وهو موعود بمساعدات مالية، لتمكنيه من الصمود في وجه التحدّيات الكثيرة التي تنتظره.
ولكن، هناك مشكلة أخرى تواجه الجيش، وهي كيفية مصادرة سلاح “حزب الله”، وفقاً لنصّ القرار 1559، المذكور في اتّفاق وقف النار. وهذا أمر دقيق وحسّاس، يُخشى معه وضع الجيش في مواجهة عناصر الحزب، الذين لن يرضوا بتسليم السلاح بهذه البساطة. فموضوع السلاح قضية سياسية، تحتاج إلى رئيس جديد وحكومة جديدة تتّخذ القرار، ربّما بعد طاولة حوار داخلية.
وبما أنّ إسرائيل تنفّذ الاتّفاق “تحت النار”، ففي إمكانها أن تجترح ألف حجّة لعدم الانسحاب من لبنان، تحت عنوان أنّها تريد ضمان تنفيذ الاتّفاق بحذافيره. ويمكن أن تضيف إلى ذلك سبباً آخر اليوم، وهو أنّ الخطر المحتمل عبر الحدود السورية، قد ينتقل إلى لبنان. وبالتالي فإنّ الجيش الإسرائيلي لن ينسحب، إلى أن يرى، بحسب منظاره، أنّ بلاده لم تعد تواجه الأخطار.
ويُطرح السؤال البديهي: ما الذي سيلزم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية والأراضي السورية، طالما أنّها الطرف القوي في المعادلة الآن؟ وما الذي يمنعها من اغتنام الفرصة لتحقيق أطماعها التوسّعية في كلّ من لبنان وسوريا؟
تعتبر مصادر دبلوماسية أنّ إسرائيل ستبقى في الجنوب إلى ما بعد انتهاء مدّة الستين يوماً. وترى أنّ الحلول لن تأتي سوى بعد تسوية الوضع في المنطقة ككلّ. فكلّ شيء مترابط من غزّة إلى إيران. وكما خلق هذا المحور ما سمّي “وحدة الساحات”، فإنّ نتنياهو يريد تنفيذ هذا العنوان، بحيث يعتمد حرب “وحدة الساحات” بمفهومه الخاصّ.
وتعتقد المصادر أنّ تلّ أبيب ستحتفظ بورقة الاحتلال لاستعمالها لاحقاً، ربّما في مفاوضات سلام أو تطبيع أو ترسيم جديد للحدود.