سيّدي الرئيس: ارتكبت ما لا يمكن مسحه من التاريخ
لا أدري من أين أبدأ، ولا كيف أصف لك ما يشعر به قلب كلّ أمّ لبنانيّة تنتظر اليوم بفارغ الصبر خبراً عن فلذة كبدها تداوي به جراحها، ولا ما يُعانيه كلّ فرد منّا في هذا الوطن الذي كان يوماً فخوراً بتاريخه المشرق وحضارته.
أكتب لك هذه الرسالة ليس بدافع الانتقام، ولكن بدافع الغضب والألم الذي يملأ صدورنا جميعاً. قد يكون ظنّي أنّ كلماتنا لن تصل إليك، وأن قلوبنا المثخنة بالجراح قد عجزت عن إحداث أي صدى في قلبك. ومع ذلك، سأحاول، لأنّ الصوت الذي ينخر في صدورنا لن يموت، حتّى وإن كُنت قد حوّلت وطننا إلى مقبرة جماعيّة.
أنت الذي وعدت أهالي المعتقلين بمعرفة مصير أولادهم، وأنت الذي وعدت أيضاً أهالي شهداء المرفأ بتبيان ومعرفة الحقيقة، لكن للأسف الشديد، الحقيقة أنّك كُنت وما زلت السبب في أكبر مذبحة عرفها التاريخ الحديث. لبنان الذي كان مكاناً لفرحنا، لصوتنا، لآمالنا وطموحاتنا، حولته إلى ساحة حرب وحزن لا تنتهي.
من كان يُصدّق أنّ بلداً كهذا سيُدمر على يد من كان يبيعنا شعارات وهميّة؟ من كان يتصوّر أن قلوباً كانت تنبض بالأمل تحوّلت في عهدك إلى قلوب فارغة، خاوية من كلّ شيء إلاّ من الألم؟
لقد فشلت في أن تكون حاكماً صالحاً، وبدلاً من أن ترفع من شأننا، اخترت أن تجعلنا عبيداً في يد محور المقاومة، للأسف كُنت آلة قمع لا تعرف سوى الدماء والدمار. كُنت تظن أنّ البطش والشعارات الرنّانة الفارغة ستجعلنا ننسى، لكنك أخطأت، لأنّ بكاء أمّهات المعتقلين وأمّهات أهالي شهداء المرفأ لن تُمحى ولن تختفي من ذاكرة الأجيال القادمة.
سيّدي الرئيس السابق، لقد ارتكبت ما لا يمكن مسحه من التاريخ، شرّدت العائلات، دمّرت مستقبلنا، وحوّلت لبنان إلى أنقاض، حتّى عضو تكتّل الجمهوريّة القوّية، النائب بيار بو عاصي لم يُخطئ التعبير حين وصفك بـ”غول الموت”، فلبنان تحوّل في عهدك إلى جحيم، ونحن في هذا الجحيم، نحاول أن نجد ما يربطنا ببعضنا البعض، رغم كل شيء، رغم الحواجز التي وضعتها بيننا.
سيدي الرئيس السابق، هل تعتقد أن شعباً مثلنا سينسى؟ هل تعتقد أنّ دماء المعتقلين في سجون صديقك بشّار ستذهب سدى؟ هل تظن أنّ دماء أهالي بيروت الذين قُتلوا في انفجار الرابع من آب، وشباب فوج الاطفاء، ستغسلها السنون؟ أعتقد أنّك على خطأ، لأنّ الحقيقة هي أنّ ما زرعته في أنفسنا من حقد وكراهيّة لن يزول مع الزمن، بل سيبقى حيّاً في قلوبنا، لأنّنا لسنا مجرّد أرقام في إحصائياتك، نحن أولاد مقاومين ولدنا على هذه الأرض التي حافظ عليها آباؤنا لآلاف السنين.
إلاّ أنّني، رغم كلّ شيء، لا أطلب منك الاعتذار، لأنّني أدرك أنّ من لا يعرف كيف يشعر بالندم، لن يستطيع أن يطلب المغفرة. لكنّني أقول لك، في هذا الزمن الصعب، إنّ ما فعلته لن يبقى طيّ النسيان. لقد أثبت لنا جميعاً أنّك لم تكن إلاّ جلاداً لشعبك، ومبدداً لآماله وأحلامه خصوصاً مع كشف مؤامراتك وصفقاتك مع صديقك بشّار في ملف الأسرى والمخطوفين.
لن نكون مجبرين على النسيان بعد اليوم، ولن نسمح باسترجاع نسخة طبق الأصل عنك. نحن أبناء هذا الوطن الذين سيُسجّل التاريخ معاناتنا، لكن أيضاً صمودنا. هذا الشعب الذي انتفض بصدق من أجل الحريّة، سيبقى يطمح لحياة أفضل، بغض النظر عن كم من الصعوبات والمآسي سيواجه، فهذا قدرنا. وإن كان لبنان جريحاً الآن، فإننا سنبنيه من جديد. ولن يكون لك أثر في تلك النهضة.
من قلب مجروح، ومن روح لا تزال تأمل بأنّ يوماً ما ستشرق فيه الشمس على وطننا، أقول لك: يا سيّدي الرئيس السابق ستُحاكمك الأيّام، ليس بأيدينا، بل بضمير أمهّات الشهداء، وبالعدالة التي ستتحقق مهما تأخرت.