الحكومة تشرّع الكسّارات بذريعة إعادة الاعمار
بعد كل أزمة أو حرب في لبنان، يسعى التجار بالتواطؤ مع بعض مَن في مواقع القرار إلى تمرير صفقات مخالفة للقوانين بقرارات تصدر عن جهات رسمية تحت عناوين شعبوية تحرف الأنظار عن هول التعديات، في محاولة تسويق لمعادلة أن القوانين لا تسري إلا في أيام السلم.
أول النصوص القانونية التي وقعت ضحية لقرارات “الأمر الواقع” في مرحلة ما بعد الحرب، قانون حماية البيئة ومرسوم تنظيم المقالع والكسارات رقم 8803 وتعديلاته وقرارات مجلس شورى الدولة القاضية بوقف الكسارات والمقالع عن العمل. ألغيت هذه النصوص بقرار لحكومة تصريف الأعمال قبل أيام، إذ سمحت استثنائيا لشركات الإسمنت باستخراج المواد الأولية اللازمة لصناعة التربة في المواقع المحفورة سابقا لمدة سنتين، من دون إعداد أي دراسة لتقييم الأثر بيئي. هذا القرار صدر بذريعة ضرورة تلبية الحاجة إلى مادة الترابة لمباشرة إعادة الإعمار. فهل فعلا لا بدائل من هذه القرارات الضارة بالبيئة؟
يرى رئيس “جمعية الأرض- لبنان” بول أبي راشد أن “من الضروري تقييم الآثار البيئية لمشاريع كهذه، وإذا استمر الحفر في المكان نفسه لفترة سنتين فقد تصل الماكينات إلى المياه الجوفية، لذلك من الملحّ وضع دراسة لآلية الحفر والكمية التي يمكن استخراجها، وليس مقبولا أن نبقى مكاننا أو أن نتراجع في الملفات البيئية في لبنان، وخصوصا أن ثمة معارضة شديدة من أهالي المناطق حيث المقالع والكسارات”.
وبحسب أبي راشد، فإن قرارا كهذا بالغ الأهمية، وكان يجب أن يناقش مع البلديات والجهات المحلية في شكا والهري وسبلين وكفرحزير وكل المناطق التي ستعاود الكسارات العمل فيها. لذا يقترح إعادة استخدام كميات الردم الضخمة الموجودة في المناطق المتضررة في إعادة الإعمار، “وبهذه الخطوة نكون تفادينا ردم البحر وقللنا من الكمية المطلوبة من المواد الأولية لصناعة الأسمنت، وتاليا خففنا وتيرة عمل الكسارات والمقالع”.
من جهته، يعتبر منسق لجنة كفرحزير(قضاء الكورة) البيئية رئيس جمعية مزارعي الزيتون في الكورة جورج قسطنطين العيناتي أن “وجود هذه الشركات التي تمتلك الحفارات والكسارات غير شرعي وغير قانوني، لكونها بين المنازل”.
ويقترح أن “تستورد كل كميات الإسمنت المطلوبة لإعادة الإعمار من الخارج، وتحديدا من مصر، لأن نوعيته جيدة وغير مغشوشة كما في لبنان، ويصل سعر طن الإسمنت بعد رفع الرسوم الجمركية عنه إلى نصف السعر المعتمد من مافيا الترابة في لبنان”.
ويضيف: “المياه الجوفية في هذه المنطقة ثروة حقيقية وتشرب منها معظم قرى الكورة، وفوقها مباشرة المقالع والكسارات التي ستستخدم مواد كيميائية فائقة الخطورة تهدد حياة المئات من أبناء المنطقة. غالبية أبناء الكورة اليوم يعانون أمراضا في الرئة بسبب المواد التي كانت تستخدم سابقا، لذلك يجب أن تكون هذه المقالع والكسارات بعيدة على الأقل 120 كيلومترا عن أي تجمع مدني، وهذا ما تنص عليه القوانين البيئية العالمية”.
لا يختلف اثنان على أن مسألة إعادة الإعمار أولوية قصوى في هذه المرحلة، ويمكن هذه العملية أن تنجز باحترام الحد الأدنى مما تبقى من البيئة التي سلمت من مقالع وكسارات نهشت جبال لبنان وصخوره طوال الفترة الممتدة بين 2007 و2018.