3 أهداف حقّقها الإسرائيليون في سوريا
إذا كان إخضاع حركة «حماس» قد استغرق 11 شهراً، وإضعاف «حزب الله» شهرين، وإسقاط بشار الأسد 12 يوماً، فسيكون سهلاً تقدير كم سيستغرق إضعاف النفوذ الإيراني في بغداد، ثم عملية إضعاف النظام في طهران نفسها.
كانت عملية «طوفان الأقصى» نذير شؤم على محور طهران بكامله. فبدلاً من أن تؤدي إلى زعزعة استقرار إسرائيل وإجبارها على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، كما كانت تأمل «حماس» حينذاك، جاءت النتيجة معاكسة وارتدّت على الفلسطينيين، و»حماس» وحلفائها جميعاً بنحو كارثي، بمن فيهم طهران. وجاءت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ضربة الحظ التي ستمنح حكومة بنيامين نتنياهو ضوءاً أخضر لإنهاء نفوذ إيران الإقليمي وضرب طموحاتها النووية.
بعدما نجحت الضربات الإسرائيلية في إنهاك «حماس»، وضع الإسرائيليون غزة والضفة الغربية في ثلاجة الانتظار واستداروا إلى «حزب الله» فأضعفوه وكبّلوه باتفاق صارم لوقف النار، وسُمح لهم بتنفيذه بالقوة، ووفق ما يناسبهم، بناءً على تفاهمات جانبية مع واشنطن. وفي لحظة الاتفاق في لبنان، بدأ خلط الأوراق في سوريا، ضمن صفقة أنهت حضور طهران نهائياً، مقابل جوائز ترضية للأتراك والروس والأميركيين.
اليوم، يدّعي الإسرائيليون بأنّهم «فوجئوا» بسرعة انهيار نظام الأسد في دمشق. ويوحون بأنّهم خائفون من سقوط السلطة في أيدي قوى سنّية معادية لإسرائيل ولا تعترف بوجودها. فـ»هيئة تحرير الشام» هي نفسها «جبهة النصرة» رديفة تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي تُمثّل «حماس» عنوانَه الفلسطيني. ولذلك، إنّ حرب إسرائيل مع «حماس» يُفترض أن تكون رديفة لحرب أخرى مع «النصرة». وإذا كانت إسرائيل تسعى في غزة إلى إزاحة «حماس» والتعاطي مع قوى سياسية بديلة، فبديهي أن تكون لها مصلحة أيضاً في خروج «هيئة تحرير الشام» من المشهد السوري ووصول قوى أقل راديكالية إلى السلطة. وعلى الأرجح، تركيا هي المولجة بتنفيذ هذا الأمر، لأنّها هي التي ترعى خطوات الفصائل، بضمانة روسية – أميركية.
ولهذا السبب، حرص أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) مراراً وتكراراً، على تذكير الفصائل بتجنّب أي خطأ خلال اجتياح المدن والقرى. إذاً، الإسرائيليون هم في قلب الحدث السوري وأساسه، ويتابعونه عن كثب ويترقبون نتائجها ليبنوا عليها خطواتهم التالية في اتجاه الشرق. والدليل الأبرز على انغماسهم في المشهد السوري هو أنّ اللحظة التي تمّ اختيارها للانقلاب في سوريا هي نفسها لحظة الاتفاق على وقف النار في لبنان. فالفصائل السورية التي بقيت تحاول التقدّم عبثاً في اتجاه حلب وإدلب طوال سنوات، حتى أصابها اليأس، مُنحت الضوء الأخضر لتفعل ذلك بسهولة، وتواصل تقدّمها فتجتاح محافظات حمص ودمشق والساحل، بقدرات بسيطة ومن دون مقاومة تُذكر. وهذا القرار الحاسم أدركته إيران جيداً، فاتخذت قرارها المرير بالانسحاب السريع من كل سوريا، ومعها «حزب الله»، على رغم من أنّها دفعت هناك أثماناً باهظة جداً، على مدى سنوات، قُدّرت بمليارات الدولارات وآلاف القتلى والمصابين من عناصر «الحرس الثوري» وكوادره ومقاتلي «الحزب» وسائر الفصائل الحليفة.
وتبين أنّ إسرائيل نجحت مباشرة في تحقيق 3 أهداف في سوريا:
1- ضمان انقطاع الخط من إيران إلى لبنان والمتوسط والحدود الإسرائيلية عبر سوريا. ففيما كان الإيرانيون يخلون مواقعهم، كان الطيران الإسرائيلي يتكفّل باستكمال هذه المهمّة. وعلى امتداد الخريطة السورية، تولت إسرائيل تدمير الأهداف التي كان صعباً على الإيرانيين و«الحزب» أن يتخلّصوا منها أو ينقلوها، وهي: مخازن السلاح الثقيل، مصانع الصواريخ والمسيّرات ومخازن الأسلحة الكيماوية. وحصل ذلك، على الأرجح، بموافقة روسية وتركية وأميركية.
2- تخلّصت إسرائيل من أي سلاح نوعي يمكن أن يهدّدها في المستقبل. وأياً كانت السلطة التي ستتولّى الحكم في دمشق، فلن يتاح لها أن تحتفظ بسلاح تخشاه إسرائيل ويمكن أن يكرّر عملية «طوفان الأقصى» من الجهة السورية.
3- استفادت إسرائيل من انهيار النظام لتعلن مخاوفها من تسلّل عناصر مسلحة إلى الجولان. وبناء على هذه الذريعة، سارعت إلى التوغل في نقاط جديدة داخل الأراضي السورية، فتمركزت في الموقع الأكثر أهمية استراتيجية في جبل الشيخ وتمدّدت كيلومترات في الداخل السوري. ووسط الحراك الجاري في السويداء ودرعا، يتوقع مراقبون أن تنفّذ إسرائيل خطوات مفاجئة في الجنوب السوري وحتى مشارف العاصمة السورية، تحت عنوان «المنطقة العازلة» الضامنة للأمن، والتي توازيها منطقة عازلة في جنوب الليطاني، من الجهة اللبنانية.
ستترقّب إسرائيل مسار الأوضاع في سوريا، وهي تعرف تماماً كيف تصطاد في مياهها وتؤمّن مصالحها. وحتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وبدء ممارسته السلطة، هناك مهلة شهرين أو ثلاثة، وهي مهلة كافية جداً لاستكمال الضغط على أجنحة إيران. فبعد سوريا، سيحدث شيء ما في العراق، ثم يأتي الحدث في قلب إيران ليتوّج الخطة، وينقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب.