خاص- سقوط الأسد يُسقط قناع الدولة اللبنانية في ملف المعتقلين!
مع السقوط المُدوّي لنظام آل الأسد في سوريا، وتحرير آلاف المعتقلين اللبنانيين الذين كانوا يقبعون في أقبية السجون السورية لسنوات طويلة، أضاءت الأضواء مجددًا على قضية طالما عانت من التجاهل والتقاعس الرسمي اللبناني. إذ تمكّنت فصائل المعارضة السورية، خلال تقدمها في مناطق سيطرة النظام، من فتح أبواب المعتقلات وكشف حقيقة مرعبة لطالما أنكرتها دمشق وصمتت عنها بيروت: آلاف اللبنانيين كانوا مختطفين، مختفين قسرًا، يعانون من أسوأ أشكال التعذيب والانتهاكات.
منذ بدايات الحرب الأهلية اللبنانية وحتى انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، كانت قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية معروفة، لكنها ظلت طيّ الكتمان. فقد تم توثيق حالات اعتقال تعسفي واحتجاز قسري لمئات اللبنانيين، بينهم مدنيون ونشطاء وحتى أطفال. لكن على الرغم من هذا، ظل الدور اللبناني في هذه القضية ضبابيًا، أقرب إلى الغياب منه إلى الفعل، في ظل هيمنة أذرع النظام السوري على القرار السياسي اللبناني.
خلال تلك العقود، اكتفت الدولة اللبنانية بالتصريحات الشكلية، بينما تجاهلت الجهود الجادة للكشف عن مصير المعتقلين، وتركت عائلاتهم وحدهم يواجهون الألم والغموض.
اليوم، ومع تحرير المعتقلين على يد فصائل المعارضة السورية، يظهر بوضوح حجم الإهمال الذي مارسته الدولة اللبنانية تجاه أبنائها.
ففي خضم المعارك التي أطاحت بالنظام السوري، كانت فصائل المعارضة تفكّك سجون النظام وتكشف الجرائم المروّعة المرتكبة في الداخل، وكان من بين المفاجآت العثور على آلاف اللبنانيين الذين غُيّبوا لسنوات يعيشون ظروفًا لا يمكن تصورها في زنازين مظلمة، وتعذيب يومي، وحرمان من أبسط حقوق الإنسان.
هذه اللحظة المفصلية أعادت فتح الجرح القديم: لماذا تُرك هؤلاء في يد نظام بشار الأسد طوال تلك السنوات دون أن تتحرك الدولة اللبنانية لإنقاذهم؟ كيف يمكن تفسير هذا الصمت أمام الجرائم الواضحة التي ارتُكبت بحقهم؟
لطالما كان تعامل الدولة اللبنانية مع ملف المعتقلين في السجون السورية أشبه بمحاولة دفنه. فبدلًا من تبني قضية المعتقلين كأولوية وطنية، تحولت القضية إلى مادة للتجاذبات السياسية، وغابت الجهود الرسمية الحقيقية للكشف عن مصير المختطفين أو المطالبة بتحريرهم.
حتى بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، لم تستثمر الحكومات اللبنانية المتعاقبة الفرصة لمتابعة هذا الملف مع النظام السوري. بل ظلت العلاقات اللبنانية-السورية قائمة على المجاملات السياسية وتجاهل الانتهاكات.
وبقيت العائلات التي انتظرت لسنوات عودة أبنائها دون إجابات حتى اصبحت الأكثر شعورًا بالخيانة. ففي الوقت الذي كانوا يطالبون فيه بكشف مصير ذويهم، كانت الدولة اللبنانية تماطل أو تلتزم الصمت، تاركة مصير هؤلاء في أيدي نظام لم يتردد يومًا في إنكار وجودهم أو التنكيل بهم.
اليوم، ومع تحرير المعتقلين على يد قوى المعارضة السورية، أصبح هذا التجاهل الرسمي أكثر وضوحًا وإيلامًا. كيف يمكن لعائلات المعتقلين أن تثق في دولة لم تقف معهم أو تدافع عن أبنائها؟
تحرير اللبنانيين من السجون السورية يفرض على الدولة اللبنانية مسؤولية كبرى، ليس فقط لتعويض الضحايا وعائلاتهم، بل أيضًا لمحاسبة كل من تواطأ أو أهمل هذه القضية. وفي هذا السياق، يجب أن تتخذ الدولة الخطوات التالية:
1. تشكيل لجنة تحقيق وطنية: على الدولة اللبنانية فتح تحقيق شفاف لتحديد أسباب التقاعس عن معالجة ملف المعتقلين طوال السنوات الماضية.
2. محاسبة المتورطين: يجب محاسبة كل جهة سياسية أو أمنية لبنانية ساهمت في تسهيل اختطاف اللبنانيين أو تواطأت مع النظام السوري.
3. رعاية الناجين: تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي للمحرَّرين وأسرهم، الذين عانوا من غياب الدولة وإهمالها لسنوات.
4. إحياء ملف المفقودين: رغم تحرير آلاف المعتقلين، لربما لا يزال هناك كثيرون في عداد المفقودين. على الدولة أن تُواصل جهودها لمعرفة مصيرهم.
ختامًا ما حدث في سوريا كشف حقيقة صادمة، ليس فقط عن وحشية النظام السوري، بل عن غياب الدور اللبناني في حماية أبنائه. تحرير المعتقلين يجب أن يكون نقطة تحول في الوعي السياسي اللبناني، وأن يُذكّر الجميع بأن واجب الدولة الأول والأخير هو حماية مواطنيها والدفاع عن حقوقهم. أما الصمت والتقاعس، فقد أثبتا أنهما وصمة عار لن تُمحى بسهولة من ذاكرة اللبنانيين.