خاص- كيف سيكون وجه سوريا تحت حكم “الجهاديين”؟

خاص- كيف سيكون وجه سوريا تحت حكم “الجهاديين”؟

الكاتب: إيلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut 24
7 كانون الأول 2024

أثار التمدّد السريع للفصائل السورية و”هيئة تحرير الشام”، أي “النصرة” سابقاً، استنفار دول الجوار، بعدما وصلت طلائع المهاجمين إلى مشارف مدينة حمص، وانسحبت قوّات النظام من دون أيّ مقاومة تُذكر. وحتّى إسرائيل، التي تعمل لخلق شرق أوسط جديد، كما تقول، وتريد التخلّص من وكلاء إيران، شعرت بالقلق من تعاظم قوّة الفصائل الإسلامية السورية. فسارع قادتها إلى عقد اجتماعات عاجلة لدرس المخاطر المحتملة لوجود جماعات متطرّفة على حدودها. وقامت بحشد جنود في الجولان، تحسّباً لأي طارئ. كما قام لبنان بنشر عناصر من الجيش على الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، وكذلك شدّد الأردن من إجراءاته.
ومع فرض أبو محمّد الجولاني سيطرته على إدلب وحلب وبعض أرياف حمص، أصبح حكم “الجهاديين” أمراً واقعاً في هذا الجزء من سوريا، حتّى الآن على الأقلّ. وبما أنّ الشرق الأوسط الجديد يرتسم بسرعة، فإنّ “هيئة تحرير الشام”، مع كلّ ما تمثّله من عقيدة ومن تحالفات، ستكون جزءاً من هذا الشرق الأوسط الذي يشهد تغيّرات دراماتيكية، قد تصل إلى رسم خرائط دول أو تغيير أنظمة الحكم فيها، في شكل يؤدّي إلى قيام دويلات أو فدراليات أو كونفدراليات طائفية.
وانطلاقاً من هذا الواقع، يحاول أبو محمّد الجولاني، الذي تصنّفه الولايات المتّحدة إرهابياً،وخصّصت 10 ملايين دولار لمن يقدّم معلومات عنه، أن يصوّر نفسه وتنظيمه في شكل مختلف، استعداداً لحكم المنطقة التي سيسيطر عليها.
ومنذ تأسيس “جبهة النصرة” في العام 2012 كأحد فروع “الدولة الإسلامية في العراق”، مرّ الجولاني بمراحل مختلفة. ففي العام 2017 غيّر اسم التنظيم من “جبهة النصرة” إلى “هيئة تحرير الشام”، بعدما ابتعد عن “داعش”، وكرّس الجهاد للحرب في الداخل السوري فقط. لا بل أسهم في القضاء على وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” في المناطق التي كانت تخضع لسيطرته. ومنذ آذار 2020، شهدت “جبهة النصرة” تحوّلات عدّة. فقامت ببناء مؤسسات أكثر مرونة، وعملت على إصلاح الحكم والأجهزة العسكرية داخلها، وشكّلت ما يُعرف باسم “حكومة إنقاذ”.
ولكن، يبدو من الصعوبة حتّى الآن، محو الممارسات التي قام بها عناصر “النصرة” في حقّ المعارضين في إدلب. وستكون الصورة الجديدة رهن الاختبار. فهذه الجماعة هي في النهاية جماعة جهاديّة، وعليها أن تبرهن مع الوقت، وعند استلام الحكم، على قدرتها على الاستمرار في سياسات بعيدة عن السلفية التي تحكم تنظيمات كـ “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”.
في أيّ حال، فإنّ الجولاني في حدّ ذاته حرص على الظهور عبر شاشة CNN باسمه الحقيقي محمّد الشرع، والاستغناء عن اسمه الحركي. وكان سبق له أن صرّح في مقابلة مع محطّة أميركية في العام 2021 بأنّ حكم الهيئة سيكون بالطبع حكماً إسلامياً، ولكن ليس وفق معايير تنظيم “الدولة الإسلامية”.
أمّا النموذج الأوّل الذي حرصت “جبهة النصرة” على تعميمه، فهو النموذج الذي تصرّفت وفقه عند دخولها مدينة حلب التي يقطنها حوالى مليوني شخص. فهي سلّمت المدينة إلى “الحكومة الموقّتة الجهادية”، وعملت على طمأنة السكّان من المجموعات المتحالفة مع النظام. ولم يقم عناصرها بأيّ أعمال انتقامية. لا بل طلب الجولاني عدم مضايقة أيّ من الأقلّيات المسيحية والكردية في حلب.
وفي اليوم الثاني لدخول المدينة، باشرت الهيئة ممارسة نوع من الإدارة المدنيّة، بحيث تمّ جمع القمامة، وتوزيع الخبز على السكّان، والعمل لإصلاح خطوط الكهرباء وشبكات المياه المتضرّرة. ومهّد الجولاني لانتقاله من العسكر إلى الحكم المدني، بقوله إنّ “التنوّع قوّة”، مشدّدا على أهمية بناء الدولة وإقامة حكومات في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة. وهو أراد من خلال ذلك توجيه رسائل إقليمية، مفادها أنّه قادر على القتال والحكم في آن واحد.
في أيّ حال، فإنّ المتغيّرات السريعة من غزّة إلى لبنان فسوريا، وربّما أبعد من ذلك، تخلق معطيات جديدة في كلّ لحظة. ومن مؤشّرات التبدّل الكبير المنتظر في المنطقة، والذي لا يمكن التكهّن بعد بمآلاته، هو ما نراه من تغيير جلد بعض الجماعات المتطرّفة تمهيداً لحكم المنطقة الجديدة التي ستولد.