خاص- مؤشرات لا تدعو الى التفاؤل
في كل مرة يلتقي اثنان أو أكثر من زملاء المهنة يتحوّل اللقاء تلقائيا الى جلسة عصف فكري في المستجدات، وما أكثرها هذه الأيام. في السياق ذاته كانت الوقفة التضامنية أمام قصر العدل مع الزميل داوود رمال الذي تعرض لاعتداء في بلدته الجنوبية الدوير من قبل عناصر في “حزب الله”، فكانت مناسبة للتباحث في مآل الأمور بعد موافقة “حزب الله” على “اتفاقية الإذعان” التي رعتها وصاغتها الولايات المتحدة ووافقت عليها الحكومة اللبنانية وتعهدت بتطبيقها.
إلا أن جملة تطورات حصلت بعد اتفاق وقف إطلاق النار باتت تدعو الى الارتياب المشروع، ولا تدعو بالتالي الى كثير من التفاؤل:
ففي مقابل التزام “حزب الله” حرفيًا ومن طرف واحد بالاتفاق حيث أنه لم يرم إسرائيل بحجر منذ الاعلان عن وقف اطلاق النار (ما عدا قذيفتين يتيمتين على مزارع شبعا)، واصل الجيش الاسرائيلي عمليات القصف والتفجير والاغتيال في الجنوب، كما واصلت مقاتلاته ومسيّراته التحليق في الأجواء اللبنانية وصولًا الى العاصمة، مستندة الى ملحق الاتفاق بين تل ابيب وواشنطن والذي وافقت عليه ايضا الحكومة اللبنانية.
في المقابل، ركز “حزب الله” جهوده داخليًا، حيث راحت قياداته ومسؤولوه ونوابه يؤكدون على تحقيق انتصار في حرب الإسناد، في محاولة منهم لشد عصب كوادر الحزب وبيئته المهجّرة داخل وطنها، وإقناعهم بأن الخسائر البشرية والمادية والتضحيات الاستثنائية لم تذهب سدى. ولما رأى أركان الحزب أن هذه البروباغندا لم تعد كافية أو قادرة على الإقناع، لجأوا الى سلاح الفاعليات الشعبية من مثل تنظيم حشد جماهيري في مكان اغتيال السيد حسن نصرالله في حارة حريك، أو زرع طريق المطار بصور القادة الشهداء.
أما في ما يتعلق ببقية المكوّنات اللبنانية، فقد فضّل “حزب الله” العودة الى أسلوبه القديم القائم على ترهيب الآخرين. ومن هذا المنطلق بدأت حملات التخوين والترهيب على مواقع التواصل الاجتماعي ضد السياسيين الخصوم وقادة الرأي الحر، مرورًا بالتضييق على الصحافيين من خلال إرغامهم على الحصول على إذن مسبق للتصوير أو اعداد تقارير واجراء مقابلات في “مناطقه”، وصولًا الى الاعتداء المباشر عليهم على غرار ما حصل مع الزميلة جوني فخري في منطقة بعلبك- دير الأحمر، والزميلة غنوة يتيم في الضاحية الجنوبية، والزميل داوود رمال بينما كان يقرأ الفاتحة على ضريح والديه في بلدته الدوير الجنوبية.
ويرى “حزب الله”، وهو مخطئ بالتأكيد، أنه بالتهويل على الإعلاميين وإرهابهم يضرب عصفورين بحجر واحد: إسكات الصوت الحر ومنع إيصال الصورة الحقيقية من جهة، وإرهاب المواطنين عمومًا بفعل الضجة الإعلامية وموجات الاستنكار التي تعقب كل اعتداء.
لذلك بات واضحًا ان “حزب الله” لم يستخلص العبر بشكل صحيح من نتائج “حرب الإسناد”. وعوضًا عن الاعتذار عن خطأ الدخول في هذه الحرب، قرّر الهروب الى الامام واقتراف خطيئة محاولة إبقاء هيمنته وسطوته على الدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها، والشعب اللبناني بكل مكوناته. إلا أن الواضح أن ما لم يدركه الحزب ان الساعة لا تسير الى الوراء، وان المجتمع الدولي، اضافة الى جميع المكونات اللبنانية الأخرى، لم تعد قادرة على تحمّل هذا الوضع، ولم تعد بالتالي تقبل باستمراره مهما كان الثمن.
في ضوء هذه المؤشرات السلبية التي لا تدعو الى التفاؤل بات لزامًا على الاحزاب السيادية والمرجعيات الدينية والاجتماعية والاقتصادية الوطنية الاستعداد بخطة واضحة لمرحلة ما بعد الحرب، والتي قد تكون أسوأ من الحرب نفسها اذا واصل “حزب الله” اتباع سياسة الانكار، لمحاولة تحويل هزيمته الكبرى مع اسرائيل الى انتصار شكلي في الداخل قد يأخذ في طريقه الكثير من الشهداء.