هل من دور لروسيا في منع إعادة تسليح “الحزب”؟
في أكثر الساعات حسماً منذ بداية الحرب الإسرائيلية المدمّرة على لبنان، وبينما كانت تجري خلف الكواليس السياسية حياكة تفاصيل اتفاق لوقف إطلاق النار، يضمن في طيات بنوده أمن الدولة العبرية على أكثر من مستوى، تردّد بشكل لافت كلام عن تضييق الخناق على “حزب الله” من خلال رئته الأساسية، سوريا، التي تُعتبر الممرّ الرئيسي للسلاح إلى التنظيم، كما تشكّل الامتداد الجغرافي الطبيعي الذي يساعده على التحرّك بأريحية لا تمتلكها تنظيمات أخرى مدعومة من إيران، كـ”حماس” في غزة مثلاً.
ومنذ أيام، تتردّد معلومات في صالونات السياسة عن اتفاق روسي – إسرائيلي بقطع طريق إمداد السلاح إلى “حزب الله” عبر سوريا. وممّا قيل إن موسكو تضغط على دمشق في هذا الشأن منذ أكثر من أسبوعين، وباتت الأخيرة بشكل كبير على طول الحدود مع لبنان، وقد أوكلت المهام التنفيذية للفرقة الرابعة في الجيش السوري، بقيادة اللواء الركن ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد. وبناء عليه، “تراجعت قدرة الحزب على تسيير الشاحنات إلى لبنان، وتمّ تقييد حركة عناصره بشكل لافت”، وفقاً للمعطيات ذاتها التي يجري تداولها، والتي انتشرت بعد أحاديث كثيرة عن “اقتحام مخازن أسلحة تابعة للحزب ومصادرتها”.
وفي السياق نفسه، سرت معلومات خلال الأيام الماضية عن رفض القوات الروسية هبوط طائرة شحن إيرانية في قاعدة حميميم الجوية، بعدما كانت طائرات السلاح تهبط منذ نحو عام هناك لتفادي الغارات الإسرائيلية على مطاري دمشق وحلب، ما اضطر الطائرة إلى الهبوط في مطار عسكري بوسط سوريا.
إذا قاطعنا هذه المعطيات مع زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر السرّية إلى روسيا في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، بصفته موكلاً من قبل رئيس حكومته بنيامين نتنياهو للتفاوض بشأن عقد تسوية مع لبنان، وما أورده حينها تقرير “القناة 12” عن “دور مهم لروسيا” في اتفاق محتمل لوقف النار لـ”ضمان تغيير الوضع في لبنان ومنع إعادة تسليح حزب الله”، يُصبح التساؤل مشروعاً أكثر عن دور موسكو التي التزمت الصمت المريب تجاه الهجوم الإسرائيلي العنيف على التنظيم اللبناني الذي يُقاتل غالباً بأسلحة الروس، وخاض إلى جانبهم حرباً ضروساً في سوريا في سنوات مضت. وهذا صمتٌ دفع مساعد وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني إلى توجيه عتب للسفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، خلال لقاء جمعهما في بيروت.
يستبعد الديبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف موتوزوف هذا النوع من الاتفاقات بين موسكو وتل أبيب، كونه “لا يتلاءم مع السياسات الخارجية الروسية”. ويقول لـ”النهار” إن هذ الأمر، أي ضبط الحدود ومنع تمرير السلاح لـ”حزب الله”، “شأن سوري وليس روسياً”.
لكنّه، في الوقت ذاته، لا ينفي اعتبار روسيا “العلاقات مع سوريا شيء والعلاقات مع حركات التحرر شيء آخر”، مشيراً إلى أن “موسكو تُفضّل أن يكون لديها علاقات مع أنظمة، وليس مع تنظيمات”.
مصدر أمني سوري يؤكّد لـ”النهار” أن هناك “مطالب روسية طبيعية بضبط الحدود”، إلا أنّه يلفت إلى “عدم وجود تفاهم وآلية لتنفيذ ذلك”.
ويردف المصدر أن “الفرقة الرابعة لا تتشدّد كما قيل، لكنها متخوفة من عمليات القصف الواسع التي طالتها سابقاً في ريفي دمشق وحمص، وقد تطالها راهناً أو مستقبلاً”. ولعلّ استهداف حواجز الفرقة الرابعة في القصير في 13 تشرين الأول (أكتوبر) دليل على أن اسرائيل تعتبرها مستمرة في التنسيق مع الحزب.
ويستدرك المصدر الأمني، قائلاً إن “سوريا لا تتبنى بشكل رسمي رواية فتح الحدود لعبور السلاح، إنّما هي رواية إسرائيلية إعلامية تهدف إلى تمرير ضربات جوية وبرية وتحقيق أهداف إضافية”.
بدوره، يقول مصدر عسكري سوري لـ”النهار” إن ما يحكى عن تفاهم لضبط الحدود بين سوريا ولبنان عبر روسيا “يجب أن يكون مقروناً بتفاهم أوسع، يشمل وقف العمليات العدوانية الإسرائيلية على البلدين، والاتهامات بتمرير السلاح من سوريا إلى ’حزب الله‘، والتي لم توفّر حتى الروس في بعض الأحيان”.
ويضيف: “سوريا لم تتخلَّ عن ’حزب الله‘، الحليف الاستراتيجي، بأي شكل، لكن ليس وفق الدعاية التي تستخدمها إسرائيل كمبرر لقصف المدنيين وغيرهم في الداخل السوري”.
ويتابع: “قرار دعم “حزب الله” لا يزال سارياً ومعمولاً به، وهو بالنسبة إلى دمشق غاية في الأهمية، لأن الحزب ولبنان يعتبران خط الدفاع الأول عن سوريا جغرافياً، وكذلك خط دفاع أساسياً عن محور المقاومة، فسقوط الحزب أو تعرّضه لهزيمة نوعية سيترك انعكاسات كبيرة على كل المحور، وقد تكون سوريا الأكثر تأثّراً”.
ومع اغتيال عدد كبير من قيادات “حزب الله” العسكرية والمدنية، وتواري من بقي عن الأنظار، بات صعباً سؤال التنظيم عن حقيقة الأمر من وجهة نظره. مصدر عسكري وحيد في الحزب ببلدة القصير أجاب عن السؤال بتجاهله، واكتفى بالتعليق: “كل الجسور (الحدودية) قُصفت أصلاً… شرعيّة وغير شرعيّة… لقد تقطعت الأوصال”.