طبيعة الحرب اللبنانية بدّقة
أستعرض في مقالتي هذه وقائع الأزمة اللبنانية ومخلفاتها حيث يختلف المتابعون والمحللون في تحديد طبيعتها وخصوصا في المرحلة الراهنة ، ففي حين يصر البعض على أنها “حرب إسناد ” رأى غيرهم أنها “حرب عبثية ” لا طاقة للشعب اللبناني على تحمّل تبعاتها التدميرية . ولكن هناك رأي في هذه الحرب وهو على ما كوّنت ودائرة العلاقات السياسية خاصتي أنه مزيج من الإثنين حيث تتشابك الصراعات الداخلية – الإقليمية – الدولية ليخرج هذا المزيج الوقح من تخطي النظم الدستورية القانونية في الجمهورية اللبنانية من قبل سلطات الأمر الواقع .
من حيث المبدأ هناك إختلاف في وجهات النظر،وهناك إختلاف أيضا في طبيعة الأزمة اللبنانية ولا نخفي سِرا إذا قلنا أنّ هناك أطراف لبنانية تسعى جاهدةً للقضاء التام على الدستور اللبناني وعلى صيغة العام 1943 ، كما تسعى جاهدة عبر قنواتها الإقليمية لفرض أمر واقع من شأنه أن يوصلنا إلى تدمير هذه الصيغة والميثاق ، في حين يتظهّر لنا عجزًا محليا من قبل قادة روحيين وزمنيين في الوقوف في وجه هذه المؤامرة التي ستطال في حالة كُتِبَ لنا النجاح القضاء على ما تبقّى من رمزية الجمهورية اللبنانية القائمة على صيغة العيش المشترك والإنصهار الوطني .
هناك إجماع محلي ودولي على أنّ لُبْ الأزمة اللبنانية الحالية هو التدخل في شؤون الجمهورية اللبنانية دون أي مسوّغ قانوني وهذا أمر بات يُدركه القاصي والداني ولهذا التدخل الإقليمي دور أساسي في تعكير صفو الأمن الوطني والإقليمي والدولي . وهناك وجه سلبي حيال لبنان يتمثل إجمالا في المواقف التي تتخذها هذه الدولة الإقليمية من على الساحة اللبنانية حيث باتت الساحة اللبنانية ساحة لتبادل الرسائل العنيفة يدفع ثمنها لبنان باهظا من أهله ودولته وممتلكاته .
مواقف كثيرة سمعناها ونسمعها منذ أن إندلعت هذه الحرب ونختصرها بالمنظومة التالية ” إن المجتمعين العربي والدولي يدعمان وحدة لبنان وسيادته وإستقلاله السياسي وسلامة أراضيه … ، وإنّ هذين المجتمعين ملتزمان بخروج كل القوات الأجنبية من لبنان وستبقى هذه الأهداف أمامنا واضحة على جدول أعمالنا الوطني ” . من الملاحظ أنّ المجتمعين العربي والدولي يُصران على السيادة الوطنية وعلى إستقلالية القرار اللبناني ، ولكن عمليًا على طاولة المفاوضات يتغيّب عمدا المكون اللبناني الأساسي ، فلا رئيس للجمهورية ولا وجود لمجلس نيابي يتحمّل مسؤولياته الموكلة إليه من قبل الشعب ولا هناك سلطة تنفيذية تتمتع بإستقلالية في ممارسة القرار ، حقا إن الجمهورية اللبنانية هي في صلب “مكذب خانا ” .
نقولها بصراحة هناك وجه سلبي في طبيعة الأمور اللبنانية وتعكسه بالدرجة الاولى مواقف المسؤولين اللبنانيين وتصريحات وتصرفات النواب والوزراء ورؤساء الأحزاب الهادفة الى تبرير إمكانية الإستغناء عن الجمهورية السيدة المستقلة وذلك في سياق ترتيب لمصالح هؤلاء المسؤولين على حساب مصلحة الدولة والشعب يأخذ بعين الإعتبار وبشكل أساسي وجوهري مصالح الدولة الإقليمية الراعية لهذا النظام القائم خلافا لأبسط قواعد الديمقراطية وهذا الأمر حاصل بالتكافل والتضامن بين القيادات السياسية العاجزة عن ضبط الأمور سواء أكانت روحية أو وطنية .
مع الأهمية القصوى لتدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان عبر سياستها الحالية المتمثلة بدعم مكون لبناني فإنه لم تقم وفق ما إطلعنا عليه من البعثات الدبلوماسية التي نزورها بشكل دوري أي معارضة تشرح بشكل موضوعي وعلمي خلفيات ومبررات وأبعاد هذا التدخل في لبنان . طبيعة الحرب اللبنانية إذن هو هذا التدخل وهو تدخل يصعب من دونه فهم الكثير من مسار الحرب اللبنانية ماضيا ومستقبلا ، كما يصعب ويستحيل فهم هدف هذا التدخل حيال لبنان على إمتداد السنوات العشرين الماضية وسكوت المجتمعين العربي والدولي عن توريد السلاح والمال إلى مكون لبناني . كم نحن بحاجة لإعادة الأمور إلى نصابها كي نستطيع إيقاف هذا التدخل الذي أوقع لبنان في أتون حرب عقيمة لا طاقة له على تحمل تبعاتها .